للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا خرجت حلاوة الحديث من قلبه. وقيل عن بعض رؤوس الجهمية –إما بشر المريسي، أو غيره-: أنه قال: ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن، فأقروا به في الظاهر، ثم صرفوه بالتأويل. ويقال إنه قال: إذا احتجوا عليكم بالحديث فغالطوهم بالتكذيب، وإذا احتجوا بالآيات فغالطوهم بالتأويل.

ولهذا تجد الواحد من هؤلاء لا يحب تبليغ النصوص النبوية، بل قد يختار كتمان ذلك والنهي عن إشاعته وتبليغه، خلافاً لما أمر الله به ورسوله من التبليغ عنه. كما قال: ((ليبلغ الشاهد الغائب)) (١) وقال: ((بلّغوا عني ولو آية)) (٢) وقال: ((نضّر الله امرأ سمع منا حديثاً فبلّغه إلى من لم يسمعه، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)) (٣) .

وقد ذم الله في كتابه الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وهؤلاء يختارون كتمان ما أنزل الله، لأنه معارض لما يقولونه، وفيهم جاء الأثر المعروف عن عمر: قال: إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم السنن أن يحفظوها، وتفلّتت منهم أن يعوها، وسئلوا فقالوا في الدين برأيهم، فذكر أنهم أعداء السنن.

وبالجملة، فكل من أبغض شيئاً من الكتاب والسنة ففيه من عداوة النبي بحسب ذلك، وكذلك من أحب ذلك ففيه من الولاية بحسب ذلك.

قال عبد الله بن مسعود: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله. وعدو الأنبياء هم شياطين الإنس والجن.

كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: ((تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن)) . فقال: أو للإنس شياطين؟ فقال: ((نعم شر من شياطين الجن، وهؤلاء يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً)) .


(١) البخاري (١/٢٠) .
(٢) البخاري (٤/١٧٠) .
(٣) رواه الترمذي وصححه الألباني في المشكاة (٢٣٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>