للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: نحن إذا قدّمنا العقل لم يبطل الشرع، بل نفوضه أو نتأوله.

قيل: إن لم يكن الشرع دالاً على نقيض ما سميتموه معقولاً، فليس هو محل النزاع، وإن كان الشرع دالاً فتفويضه تعطيل لدلالة الشرع، وذلك إبطال له، وإذا دل الشرع على شيء، فالإعراض عن دلالته كالإعراض عن دلالة العقل.

فلو قال القائل: أنا قد علمت مراد الشارع، وأما المعقول فأفوضه، لأني لم أفهم صحته ولا بطلانه، فما أنا جازم بمخالفته لما دل عليه الشرع، وقد رأيت المدعين للمعقولات مختلفين، فما أنا واثق بهذا المعقول المناقض للشرع- كان هذا أقرب من قول من يقول: إن الله ورسوله لم يبين الحق، بل تكلم بباطل يدل على الكفر، ولم يبين مراده، فإن المقدّم للمعقول عند التعارض لابد أن يقول: إن الشرع يدل على خلاف العقل: إما نصاً، وإما ظاهراً.

وإلا فإذا لم يكن له دلالة بحال تخالف العقل امتنعت المعارضة، وحينئذ فحقيقة قوله: إن الله –ورسوله- أظهر ما هو باطل وضلال وكفر ومحال، لم يبين الحق ولا هدى الخلق، وإنما الخلق عرفوا الحق بعقولهم.

والمقدّم للشرع يقول: إن الله – ورسوله- بيّن المراد، وهدى العباد، وأظهر سبيل الرشاد، ولكن هؤلاء المخالفون له ضلُّوا، وهم الذين قال الله فيهم: (وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد) فأنا أطعن فيما خالفوا به الرسول، ونبذوا به كتاب الله وراء ظهورهم، وخالفوا به الكتاب والسنة والإجماع، لا أطعن في العقليات الصحيحة الصريحة، الدالة على أن الرسول صادق بلّغ البلاغ المبين، فإن هذه المعقولات يمتنع معها أن يكون الرسول هو الرسول الذي وصفوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>