فهذا القائل قد صدّق بالمعقول الصريح والمنقول الصحيح، وصدّق بموجب الأدلة العقلية والنقلية. وأما ذاك القائل فإنه لم يتقبل بموجب الدليل العقلي الدال صدق الرسول وتبليغه وبيانه وهداه للخلق، ولا قام بموجب الدليل الشرعي الذي دل عليه ما دل عليه نصاً أو ظاهراً، بل طعن في دلالة الشرع، وفي دلالة العقل الذي يدل على صحة الشرع. فتبين أن ذلك المقدم للشرع هو المتبع للشرع وللعقل الصحيح، دون هذا الذي ليس معه لا سمع ولا عقل.
ومما يوضح هذا: أن ما به عرف صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله تعالى، وأنه لا يكون فيه كذب ولا خطأ يدل على ثبوت ذلك كله، لا يميز بين خبر وخبر، بل الدليل الدال على صدقه يقتضي ثبوت جميع ما أخبر به. وإذا كان ذلك الدليل عقلياً، فهذا الدليل العقلي يمنع ثبوت بعض أخباره دون بعض، فمن أقرَّ ببعض ما أخبر به الرسول دون بعض، فقد أبطل الدليل العقلي الدال على صدق الرسول وقد أبطل الشرع، فلم يبق معه لا عقل ولا شرع.
وهذا حال من آمن ببعض الكتاب دون بعض قال تعالى:(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً. أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مُهيناً) .
ولا ريب أن من قدّم على كلام الله ورسوله ما يعارضه من معقول أو غيره، وترك ما يلزمه من الإيمان به، كما آمن بما يناقضه، فقد آمن ببعضٍ وكفر ببعض.