وهذا حقيقة حال أهل البدع، كما في كتاب ((الرد على الزنادقة والجهمية)) لأحمد بن حنبل وغيره من وصفهم بأنهم: ((مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب)) . وقوله:((مختلفون في الكتاب)) يتضمن الاختلاف المذموم المذكور في قوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينان وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) فهذا الاختلاف يحمد فيه المؤمنون، ويذم فيه الكافرون.
وأما الاختلاف في الكتاب الذي يذم فيه المختلفون كلهم، فمثل أن يؤمن هؤلاء ببعض دون بعض، وهؤلاء ببعض دون بعض، كاختلاف اليهود والنصارى، وكاختلاف الثنتين وسبعين فرقة. وهذا هو الاختلاف المذكور في قوله تعالى:(ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك) ، وفي قوله تعالى:(ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) فأغرى بينهم العداوة والبغض، بسبب ما تركوه من الإيمان بما أنزل عليهم. وهذا هو الوصف الثاني فيما تقدم من قول أحمد:((مخالفون للكتاب)) فإن كلاً منهم يخالف الكتاب.
وأما قوله بأنهم:((متفقون على مخالفة الكتاب)) فهذا إشارة إلى تقديم غير الكتاب على الكتاب، كتقديم معقولهم وأذواقهم وآرائهم ونحو ذلك على الكتاب، فإن هذا اتفاق منهم على مخالفة الكتاب.