وحقيقة هذا سلب الإيمان برسالة الرسول وعدم تصديقه. ثم إن لم يقم عنده المعارض المقدّم بقي لا مصدقاً بما جاء به الرسول ولا مكذباً به، وهذا كفر باتفاق أهل الملل، وبالاضطرار من دين الإسلام. وإن قام عنده المعارض المقدّم كان مكذباً للرسول، فهذا في الكفر الذي هو جهل مركب، وذلك في الكفر الذي هو جهل بسيط.
ويتناول كلاً منهما قوله تعالى:(ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً. يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً. لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً. وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً. وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً) . وقال تعالى:(وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً. ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) وأمثال ذلك.
ولهذا كان هذا الأصل الفاسد مستلزماً للزندقة والإلحاد في آيات الله وأسمائه، فمن طرده أدّاه إلى الكفر والنفاق والإلحاد، ومن لم يطرده تناقض وفارق المعقول الصريح، وظهر ما في قوله من التناقض والفساد.
ومن هذا الباب دخلت الملاحدة والقرامطة الباطنية على كل فرقة من الطوائف الذين وافقوهم على بعض هذا الأصل، حتى صار من استجاب لهم إلى بعضه دعوه إلى الباقي إن أمكنة الدعوة، وإلا رضوا منه بما أدخلوه فيه من الإلحاد، فإن هذا الأصل مناقض معارض لدين جميع الرسل صلوات الله عليهم وسلامه.