للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثامن والأربعون: وهو أن الشرع مأخوذ عن الله بواسطة الرسولين الملكي والبشري بينه وبين عباده مؤيداً بشهادة الآيات وظهور البراهين على ما يوجبه العقل ويقتضيه تارة، ويستحسنه تارة، ويجوزه تارة، ويكع عن دركه تارة، ولا سبيل له إلى الإحاطة به، ولابد له من التسليم والانقياد لحكمه والإذعان والقبول، وهناك يسقط ((لم)) ، ويبطل ((كيف)) ، ويزول ((هلا)) ، ويذهب ((لو)) ((وليت)) في الريح لأن هذه المواد عن الوحي محبوسة، واعتراض المعترض عليه مردود واقتراح المقترح ما يظن أنه أولى منه سفه وجهل، فالشريعة مشتملة على أعلى أنواع الحكمة علماً وعملاً التي لو جمعت حكم جميع الأمم ونسبت إليها لم يكن لها إليها نسبة، وهي متضمنة لأعلى المطالب بأقرب الطرق وأتم البيان، فهي متكفلة بتعريف الخليقة بها وفاطرها المحسن إليها بأنواع الإحسان بأسمائه وصفاته وأفعاله وتعريف الطريق الموصل إلى رضاه وكرامته والداعي لديه، وتعريف حال السالكين بعد الوصول إليه، ويقابل هذه الثلاثة تعريفهم حال الداعي إلى الباطل، والطرق الموصلة إليه، وحال السالكين تلك الطرق وإلى أين تنتهي بهم، ولهذا تقبلها العقول الكاملة أحسن تقبل وقابلتها بالتسليم والإذعان واستدارت حولها بحماية حوزتها والذب عن سلطانها.

فبين ناصر باللغة السائغة، وحام بالعقل الصريح، وذاب عنه بالبراهين، ومجاهد بالسيف والرمح والسنان، ومتفقه في الحلال والحرام، ومعين بتفسير القرآن، وحافظ لمتون السنة وأسانيدها، ومفتش عن أحوال رواتها، وناقد لصحتها من سقيمها، ومعلولها من سليمها، فهي الشريعة ابتداؤها من الله، وانتهاؤها إليه، فمنه بدأت وإليه تعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>