للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الرابع والخمسون: أن الآيات والبراهين اليقينية، والأدلة القطعية، قد دلت على صدق الرسل، وأنهم لا يخبرون عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه إلا بالحق المحض، فهم صادقون فيما يبلغونه عن الله في الطلب والخبر، وهذا أول درجات النقيضين أنه حق، وأنه لا يجوز أن يكون في الباطن بخلاف ما أخبر به، وأنه يمتنع أن يعارضه دليل قطعي لا عقلي ولا سمعي، فإن كل ما يظن أنه يعارضه من ذلك فهي حجج داحضة، وشبه فاسدة، من جنس شبه السفسطة والقرمطة وإذا كان العقل العالم بصدق الرسول، قد شهد له بذلك، وأنه ممتنع أن يعارض خبره دليلاً صحيحاً، كان هذا العقل شاهداً بأن كل ما عارض ما أخبر به الرسول فهو باطل، فيكون هذا العقل الصحيح، والسمع قد شهدا ببطلان العقل المخالف للسمع.

الوجه الخامس والخمسون: وهو أن الله سبحانه اقتضت حكمته وعدله أن يفسد على العبد عقله الذي خالف به رسله، ولم يجعله منقاداً لهم، مسلماً لما جاءوا به، مذعناً له، بحيث يكون مع الرسول كمملوكة المنقاد من جميع الوجوه، فأول ما أفسد سبحانه عقل شيخهم القديم إبليس، حيث لم ينقد به لأمره، وعارض النص بالعقل، وذكر وجه المعارضة، فأفسد عليه عقله غاية الإفساد، حتى آل الأمر إلى أن صار إمام المبطلين، وقدوة الملحدين، وشيخ الكفار والمنافقين. ثم تأمل كيف أفسد عقول من أعرض عن رسله وعارض ما أرسلوا به، فآل بهم فساد تلك العقول إلى ما قصه الله عنهم في كتابه، ومن فساد تلك العقول أنهم لم يرضوا بنبي من النبيين، ورضوا بإلهٍ من الحجر، ومن فساد تلك العقول أنهم استحبوا العمى على الهدى، وآثروا عقوبة الدنيا والآخرة على سعادتهما، وبدلوا نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار.

<<  <  ج: ص:  >  >>