للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فنقول وبالله التوفيق: أنسب إلى العقل حيواناً يرى ويسمع ويحس ويتكلم ويعمل فغشيه أمر ألقي له كأنه خشبة لا روح فيها وزال إحساسه وإدراكه وتوارى عنه سمعه وبصره وعقله بحيث لا يعلم شيئاً، فأدرك في هذه الحال من العلوم العجيبة والأمور الغائبة ما لم يدركه حال حضور ذهنه واجتماع حواسه ووفور عقله، وعلم من أمور الغيب المستقبلة ما لم يكن له دليل ولا طريق إلى العلم به، وانسب إليه أيضاً حيواناً خرج من إحليلة مجة ماء مستحيلة عن حصول الطعام والشراب كالمخطة فامتزجت بمثلها في مكان ضيق فأقامت هناك برهة من الدهر فانقلبت دماً قد تغير لونها وشكلها وصفاتها فأقامت كذلك مدة ثم انقلبت قطعة لحم فأقامت كذلك مدة ثم انقلبت عظاماً وأعصاباً وعروقاً وأظفاراً مختلفة الأشكال والأوضاع وهي جماد لا إحساس لها ثم عادت حيواناً يتحرك ويتغذى وينقلب ثم أقام ذلك الحيوان مدة طويلة في مكان لا يجد فيه متنفساً وهو داخل أوعية بعضها فوق بعض، ثم انفتح له باب ضيق عن مسلك الذكر فلا يسلكه إلا بضغطة وعصره، فوسع له ذلك الباب حتى خرج منه، وانسب إليه أيضاً شيئاً بقدر الحبة ترسله في مدينة عظيمة من أعظم المدن فيأكل المدينة وكل من فيها ثم يقبل على نفسه فيأكلها وهو النار، وانسب إليه أيضاً شيئاً بقدر بزر الخشخاش (١)


(١) بزر الخشخاش: البزر هو كل حب يبذر، والخشخاش نبت ثمرته حمراء وهو ضربان: أسود وأبيض واحدته خشخاشة.
... انظر: المصباح المنير ١/٦٠، مادة بزر، لسان العرب ٢/١٦٤، مادة خشش.

<<  <  ج: ص:  >  >>