يحمله الإنسان بين ثيابه مدة فينقلب حيواناً يتغذى بورق الشجر برهة ثم إنه يبني على نفسه قباباً مختلفة الألوان من أبيض وأصفر وأحمر بناء محكماً متقناً فيقيم في ذلك البناء مدة من الزمان لا يتغذى بشيء البتة، فينقلب في القبة طائراً له أجنحة يطير بها بعد أن كان دوداً يمشي على بطنه فيفتح على نفسه باب القبة ويطير، وذلك دود القز إلى أضعاف ما ذكرنا مما يشاهد بالعيان مما لو جلي لمن لم يره لعجب من عقل من حكاه له، وقال: وهل يصدّق بهذا عاقل، وضرورة العقل تدفع هذا، وأقام الأدلة العقلية على استحالته، فقام في النائم مثلاً القوى الحساسة أسباب لإدراك الأمور الوجودية وآلة لها، فمن لا يدرك الشيء مع وجودها واستجماعها ووفورها، فأن يتعذر عليه إدراكه مع وجودها وبطلان أفعالها أولى وأحرى وهذا قياس أنت تجده أقوى من الأقيسة التي يعارض بها خبر الأنبياء والحس والعيان يدفعه ومن له خبرة بمواد الأدلة، وترتيب مقدماتها، وله أدنى بيان يمكن أن ينظم أدلة عقلية على استحالة كثير من الأمور المشاهدة المحسوسة، وتكون مقدمات تلك الأدلة من جنس مقدمات الأدلة التي تعارض بها النصوص أو أصح منها، وانسب إلى العقل وجود ما أخبرت به الرسل عن الله وصفاته وأفعاله وملائكته وعن اليوم الآخر، وثبوت هذه الأمور التي ذكرنا اليسير منها، وما لم نذكره، ولم يخطر لنا ببال أعجب من ذلك بكثير نجد تصديق العقل بما أخبرت به الرسل أقرب إليه من تصديقه بهذه الأمور ولولا المشاهدة لكذب بها.
فيالله العجب! كيف يستجيز العقل إنكار ما أخبرت به الرسل بعد أن رأى وعاين وسمع ما لولا الحس لأنكره غاية الإنكار، ومن ها هنا قال من صح عقله وإيمانه: إن نسبة العقل إلى الوحي أدق، وأقل بكثير من نسبة منادي سن التمييز إلى العقل.
الوجه التاسع والخمسون: إن هؤلاء المعارضين للوحي بعقولهم ارتكبوا أربع عظائم: إحداها: ردهم لنصوص الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم-