للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: إساءة الظن به، وجعله منافياً للعقل، مناقضاً له.

الثالثة: جنايتهم على العقل بردهم ما يوافق النصوص من المعقول؛ فإن موافقة العقل للنصوص التي زعموا أن العقل يردها أظهر للعقل من معارضته لها،

الرابعة: تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم لمن خالفهم في أصولهم، التي اخترعوها، وأقوالهم التي ابتدعوها، مع أنها مخالفة للعقل والنقل، فصوبوا رأي من تمسك بالقول المخالف للعقل والنقل، وخطئوا من تمسك بما يوافقهما، وراج ذلك على من لم يجعل الله له نوراً، ولم يشرق على قلبه نور النبوة.

الوجه الستون: أن من عارض بين الوحي والعقل فقد قال بتكافؤ الأدلة، لأن العقل الصحيح لا يكذب، والوحي أصدق منه، وهما دليلان صادقان، فإذا تعارضا تكافئا، فإن لم يقدم أحدهما بقي في الحيرة والشك وإن قدم أحدهما على الآخر أبطل موجب الدليل الصحيح، وأخرجه عن كونه دليلاً، فيبقى حائراً بين أمرين لابد له من أحدهما، إما أن يسيء الظن بالوحي، أو بالعقل، والعقل عنده أصل الوحي، فلا يمكنه أن يسيء الظن به، فيسطو على الوحي تارة بالتحريف، والتأويل، وتارة بالتخييل، وتارة بالدفع والتكذيب، إن أمكن، وذلك في نصوص السنة، وتارة يدعي ذلك في نصوص القرآن، كما يدعيه غلاة الرافضة وكثير من القرامطة وأشباههم، وهذا كله إنما نشأ من ظنونهم الفاسدة، أن العقل الصحيح يعارض الوحي الصريح، وأما أهل العلم والإيمان، أهل السمع والنقل، فعندهم أن فرض هذه المسألة محال، وأن فرضها كفرض مسألة إذا تعارض العقل وأدلة ثبوت النبوة والرسالة، وإذا تعارض العقل وأدلة ثبوت الخالق وتوحيده، ومعارضة هؤلاء ومن وافقهم على بعضها، تُبَين له أن القوم لا عقل ولا نقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>