الوجه الثامن والستون: أن هذه المعقولات التي عارضوا بها الوحي لها معقولات تعارضها هي أقوى منها ومقدماتها أصح من مقدماتها فيجب تقديمها عليها. لو قدر تعارضهما، ولا يمكن هؤلاء أن يدفعوا كون النصوص من جانب هذه المعقولات، وحينئذ فمعقول تشهد له النصوص أولى بالصحة والقبول من معقول تدفعه النصوص، فنحن ندفع معقولاتهم بهذه المعقولات تارة وبالنصوص تارة وبهما تارة، ولا يمكنهم القدح في هذه المعقولات إلا بمقدمات يردها النص وهذا العقل، فكيف ترد هذه المعقولات والنصوص بتلك، وهذا قاطع لمن تدبره؟
الوجه التاسع والستون: أن يقال لمن جوّز مجيء الرسول بما يخالف صريح العقل ما تقول إذا سمعت كلامه قبل أن تعلم هل في العقل ما يخالفه أم لا؟ هل تبادر إلى رده وإنكاره؟ أم إلى قبوله واعتقاده؟ أم تتوقف فيه ولا تصدقه ولا تكذبه ولا تقبله ولا ترده؟ أم تعلق تصديقه والإقرار به على الشرط، وتقول أنا أعتقد موجبه إن لم يكن في العقل ما يرده؟ فلابد لك من واحد من هذه الأمور الأربعة، فالأول والثالث والرابع مناقض للإيمان بالرسول مناقضة صريحة والثاني لا سبيل لك إليه، لأنك قد جوزت أن يكون في صريح العقل ما يناقض ما أخبر به، فكيف تجزم مع ذلك بصحته، فالقسم الإيماني قد سددت طريقه على نفسك والأقسام الثلاثة مستلزمة لعدم الإيمان، وهذا إنما ينشأ من تجويز أن يكون في العقل الصريح ما يناقض ما أخبر به.