الوجه السبعون: أن كل من لم يقر بما جاء به الرسول إلا بعد أن يقوم على صحته عنده دليل منفصل من عقل، أو كشف، أو منام، أو إلهام، لم يكن مؤمناً به قطعاً، وكان من جنس الذين قال الله فيهم:(وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتى رسل الله) بل قد يكون هؤلاء خيراً منهم من وجه، فإنهم علقوا الإيمان بأن يؤتوا سمعاً مثل ما أوتيه الرسل، وهؤلاء علقوا الإيمان على قيام دليل عقلي على صحة ما أخبروا به، وإذا كان من فعل هذا ليس بمؤمن بالرسل فكيف من عارض ما جاءوا به بمعقوله ثم قدمه عليه؟!
الوجه الحادي السبعون: أن هؤلاء المعارضين للوحي بآرائهم جعلوا كلام الله ورسوله من الطرق الضعيفة المزيفة التي لا يتمسك فيها في العلم واليقين، ولعلك تقول: إنا حكينا ذلك عنهم بلازم قولهم، فاسمع حكاية ألفاظهم، قال الرازي في نهايته: في تزييف الطرق الضعيفة وهي أربع، فذكر نفي الشيء لانتفاء دليله، وذكر القياس، وذكر الإلزامات، ثم قال:((والرابع هو التمسك بالسمعيات)) .
وهذا تصريح بأن التمسك بكلام الله ورسوله من الطرق الضعيفة المزيفة، وأخذ في تقرير ذلك، فقال:((المطالب على أقسام ثلاثة: منها: ما يستحيل حصول العلم بها بواسطة السمع. ومنها ما يستحيل حصول العلم بها إلا من السمع. ومنها ما يصح حصول العلم بها من السمع تارة ومن العقل أخرى.
قال: ((أما القسم الأول فكل ما يتوقف العلم بصحة السمع على العلم بصحته، استحال تصحيحه بالسمع مثل العلم بوجود الصانع، وكونه مختاراً وعالماً بكل المعلومات.. وصدق الرسول)) .
قال: ((وأما القسم الثاني: فهو ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر إذا لم يجده الإنسان من نفسه، ولم يدركه بشيء من حواسه، فإنّ جلوس غراب على قلة جبل قاف، إذا كان جائز الوجود والعدم مطلقاً، وليس هناك ما يقتضي وجوب أحد طرفيه أصلاً، وهو غائب عن الحس والنفس، استحال العلم بوجوده إلا من قول الصادق.