للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القسم الثالث: وهو معرفة وجوب الواجبات أو إمكان الممكنات أو استحالة المستحيلات التي لا يتوقف العلم بصحة السمع على العلم بوجوبها وإمكانها واستحالتها، مثل: مسألة الرؤية، والصفات، الوحدانية وغيرها)) ثم عدد أمثلة.

ثم قال: ((إذا عرفت ذلك فنقول: أما أن الأدلة السمعية لا يجوز استعمالها في الأصول في القسم الأول، فهو ظاهر وإلا وقع الدور، وأما أنه يجب استعمالها في القسم الثاني، فهو ظاهر كما سلف.

وأما القسم الثالث ففي جواز استعمال الأدلة السمعية فيه إشكال، وذلك لأنا لو قدرنا قيام الدليل القاطع العقلي على خلاف ما أشعر به ظاهر الدليل السمعي، فلا خلاف بين أهل التحقيق بأنه يجب تأويل الدليل السمعي، لأنه إذا لم يكن الجمع بين ظاهر النقل، وبين مقتضى الدليل العقلي، فإما أن نكذب بالعقل، وإما أن يأول النقل، فإن كذبنا العقل مع أن النقل لا يمكن إثباته إلا بالعقل، فإن الطريق إلى إثبات الصانع ومعرفة النبوة ليس إلا بالعقل، فحينئذ تكون صحة النقل متفرعة على ما يجوز فساده وبطلانه، فإذاً لا يكون العقل مقطوع الصحة، فإذاً تصحيح النقل برد العقل يتضمن القدح في النقل وما أدى ثبوته إلى انتفائه كان باطلاً وتعين تأويل النقل.

فإذاً الدليل السمعي لا يفيد اليقين بوجود مدلوله إلا بشرط أن لا يوجد دليل عقلي على خلاف ظاهره فحينئذٍ لا يكون الدليل النقلي مفيداً للمطلوب إلا إذا أثبتنا أنه ليس في العقل ما يقتضي خلاف ظاهره، ولا طريق لنا إلى إثبات ذلك إلا من وجهين، إما أن نقيم دلالة عقلية على صحة ما أشعر به ظاهر الدليل النقلي، وحينئذٍ يصير الاستدلال بالنقل فضلاً غير محتاج إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>