هذا اللون من التفكير صرف الفكر الأوروبي عن النظر في شئون العالم الأرضي والكون المادي في أضيق نطاق مستطاع. ففي أمور الحياة رضي الناس عامة – والمتدينون خاصة- بعيش الكفاف (١) ، ولم يتطلعوا إلى زيادة الإنتاج أو تحسينه لأن ذلك يخالف روح الدين. ومن ثم لم يسعوا إلى زيادة في العلم تمكنهم من زيادة الإنتاج أو تحسينه.
كذلك لم يهتموا بزيادة معلوماتهم عن الكون المادي من حولهم من فلك أو رياضيات أو كيمياء أو فيزياء.. إلخ، لأن الأمر – في حسهم – لا يستحق الاهتمام من ناحية، ولأن المعلومات التي تقدمها المصادر ((الدينية)) عن هذا الكون فيها كفاية لهم من ناحية أخرى. ولم تكن تلك المعلومات تعدو أن الله خلق الأشياء على صورتها لحكمة هو يعلمها، ولغاية هو يريدها، وأن كل شيء يجري على النحو الذي أراده الله منذ الأزل بلا تغيير، وهذا في ذاته حق ولا شك، ولكنه لا يعطي التفسير التفصيلي لظواهر الكون المادي المحيط بالإنسان! ولا ما يحدث من التحول الدائم في الكون والحياة والإنسان!..
على هذا النحو الضيق المغلق المحصور كان الفكر الأوروبي فيما يسمى – هناك – بالعصور الوسطى المظلمة، التي استمرت زهاء عشرة قرون، خيم فيها على أوروبا ظلام الجهل والانحصار، في ظل الطغيان الكنسي المتعدد الألوان المتشعب الأطراف.
(١) ما عدا الإقطاعيين بطبيعة الحال! ومع ذلك فقد كانت الكنيسة تساندهم – بكل جشعهم وظلمهم- لأنها هي ذاتها كانت قد أصبحت من ذوات الإقطاع.