فلما بدأت أوروبا تفيق في عصر النهضة نتيجة احتكاكها بالمسلمين في الحروب الصليبية من ناحية، والاتصال السلمي بمراكز العلم والثقافة في الأندلس والشمال الأفريقي وصقلية وغيرها، كان العقل الأوروبي في حالة تشوق عنيف لاسترداد حريته في العمل، أي حرية التفكير. ولكن، كما اتسمت فترة العصور الوسطى المظلمة بالتطرف في إلغاء دور العقل والحجر على حرية الفكر، كذلك اتسمت فترة النهضة وما بعدها بالتطرف في الجانب الآخر، جانب إعمال الفكر في كل شيء، سواء كان داخلاً في مجال العقل أو غير داخل فيه، وإعماله ((بحرية)) لا تقبل القيد، سواء كان القيد مشروعاً أو غير مشروع!.
كان عصر ((الإحياء)) هو عصر العودة إلى الجاهلية الإغريقية بكل انحرافاتها.. مع زيادة انحراف جديد.. هو النفور من الدين. ومحاولة إبعاده عن كل مجال من مجالات الحياة والحقيقة أن الحياة الأوروبية في تلك الفترة تستلزم نظرة فاحصة تقف على التيارات والعوامل المختلفة التي كانت تمور في كيانها. والتي تمخضت فيما بعد عن الصورة الحالية ((للحضارة)) الغربية.
لقد أخذت أوربا في نهضتها شيئاً كثيراً من الإسلام والمسلمين، ورفضت في الوقت ذاته أن تعتمد الإسلام ديناً وعقيدة ومنهج حياة.
وكان من جراء ذلك آثار بعيدة المدى في الحياة الأوربية إلى وقتنا الحاضر..
فقد صحت أوربا من غفوتها الطويلة بالاحتكاك الحربي والسلمي بالمسلمين في الشرق والغرب.
وتزعم أوربا أنها لم تأخذ عن المسلمين إلا التراث الإغريقي الذي كانت قد أضاعته في عصورها المظلمة، فوجدته محفوظاً عند المسلمين فاستردته، وأقامت نهضتها على أساسه.
وفي هذا الزعم شيء قليل من الحق وشيء كثير من المغالطة التي لم ينج منها إلا عدد قليل من كتاب أوربا المنصفين.