وفي تلك الأيام، رجعت الإفتاء إلى حامد أفندي ابن العمادي. وفي ليلة السبت خسف القمر، بعد نصف الليل خسوفاً فاحشاً، وبقي إلى أن طلع النهار. وفي رابع عشر شهر رمضان من هذا العام، ألقى رجل نفسه من أعلى منارة جامع الدقاق إلى الأرض؛ فهلك سريعاً، بعد أن تكسر جسمه؛ واسمه الشيخ حسن بن الشيخ يوسف الرفاعي. فسألنا عن سبب ذلك، فقيل لنا إن أخا زوجته أتى بامرأة إلى بيته، وكانت من الخطيئات، فنهاه عن ذلك، فنهره وضربه، فذهب فأخبر أكابر الحارة، فلم يلتفتوا إليه لأنهم فوق ذلك بالانغماس، فذهب إلى جامع الدقاق، وصلى الصبح مع الإمام، وصلى على نفسه صلاة الموت، وصعد المنارة ونادى: يا أمة الإسلام، الموت أهون، ولا التعريص مع دولة هذه الأيام، ثم ألقى نفسه إلى الأرض، عفا الله عنه.
وفي ثامن عشر من هذا الشهر رمضان، وضع رجل يقال له المجرى، طبنجة في بطنه وقتل نفسه، فسألنا عن سبب ذلك، فقيل لنا هذا رجل عليه دين، فقتل نفسه من شدة كربه وقهره، مع أنهم أخبرونا أنهم وجدوا عنده نحواً من خمسة أكياس قمح مخزونة، فما سمحت نفسه أن يبيع شيئاً منها ويوفي دينه، فخسر دينه ودنياه.
وفي يوم الثلاثاء في الخامس والعشرين من رمضان، في هذه السنة، أغلقت أهل الشام دكاكينها، وقامت الأشراف على بيت فتحي أفندي الدفتردار. وسبب ذلك أن تابعاً من أتباع فتحي أفندي، يقال له العفصة، شتم السيد علي أفندي النقيب، وسحب عليه السلاح، وعلى السيد علي أفندي بن الشيخ مراد الكسيح في جامع الأموي. فاجتمعت الأعيان، وعملوا ديوان كذا، وأخرجوا فتوى في قتله وإباحة دمه. فوقع التفتيش عليه، فتخبأ في بيت مصطفى آغا بن خضري الشربجي في الميدان، وكان هذا لعفصة قوّس السيد علي أفندي المرادي، وهو داخل إلى داره فلم تصبه، فانزعجت البلدة، واجتمعت الأكابر والأغاوات والقبجية والبلطجية وأمن الصرة عند القاضي في المحكمة، وعملوا عرض كذا في فتحي أفندي الدفتردار، بأنه من أعظم المفسدين هو وأتباعه، وأرادوا أن يرسلوه إلى الدولة العلية، ولكن انتظروا مجيء حضرة أسعد باشا من الدورة ليختمه، وثاني يوم بطلت همتهم، وكان كلامهم كما قيل: كلام الليل يمحوه النهار.
وفي ليلة الجمعة ثامن والعشرين من رمضان، وجد في جامع الأموي، عند باب الكلاسة، رجل شحاذ مذبوح، وعلى صدره فلوس مبدورة، وما ظهر غريمه، وقيل ظنوا أنهم ذهب، فذبحوه لذلك فلما وجدوهم فلوساً بدورهم عليه بعد قتله.
وفي يوم الخميس رابع شوال، قدم أسعد باشا من الدورة، وفي تاسع شوال توفي علي آغا بن الترجمان، وكان رجلاً ثناؤه بين الناس جميلاً. وكان قبل يومين، عمل أسعد باشا ديوان كذا وجمع فيه الأكابر والأعيان، وسعّروا الحنطة والخبز، فجعلوا غرارة الحنطة بخمسة وعشرين غرشاً، ورطل الخبز بخمسة مصاري. وهذا أمر التسعير لا يستقيم على الخصوص في الشام.
وفي يوم الاثنين، خامس عشر شوال، رحل أسعد باشا أميراً للحاج بالمحمل الشريف، متوجهاً إلى مكة المشرفة، ونهار السبت في عشرين شوال رحل الحاج الشريف وكان الفصل فصل الشتاء، والسماء صاحية، وكان غلاء وبعض الطاعون. وبعد سفر الباشا بقي رطل الخبز بخمسة مصاري، ولكن صارت غرارة القمح بثلاثين قرشا. ثم ضجت العامة، ورجموا القاضي، وما أفاد شيء.
قال المؤرخ البديري: وفي ذلك اليوم أفادنا أستاذنا شيخ قرّاء الشام، الشيخ إبراهيم الحافظ، ومن قال في حقه أستاذ الشام الشيخ عبد الغني النابلسي: من أراد أن يسمع القرآن كما أنزل، فليسمعه من فم الشيخ إبراهيم النابلسي، أفادنا بقراءة هذا الدعاء المبارك، وخاصيته لهجوم المخاوف في السفر والحضر، وهو هذا الدعاء: بسم الله الرحمن الرحيم. لقد جاءكم رسول من أنفسكم.
عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.
بسم الله الخالق، الطائل الأكبر، حرز لكل خائف، لا طاقة لمخلوق، مع الله عز وجلّ، اللهم إني في حماك وتحت لوائك، فارحم حماك وانشر علينا لواءك واكشف عنا بلاءك الخارج من أرضك، والنازل من سمائك مطشين، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.