للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال المؤرخ البديري: وقد أخبرني بعض من أثق به عن سبب موته، وهو أنه دخل إلى حمام عكة، وخرج منه محموماً، وأن الظاهر عمر حاكم طبرية أرسل له كتاباً، يطلب منه الصلح فأبى، وقال لا يمكن إلا برأسك. فأرسل الظاهر عمر يستغيث به، ويقول خذ من الأموال ما تشاء، ودع سفك الدماء والقتال، وارحم النساء والأطفال، فلم يقبل سليمان باشا إلى أن دخل الحمام وخرج محموماً، وعلم أنه ميت لا محالة، ثم إنه أوصى أن يرحل به إلى الشام ويدفن عند ولده، ثم قضى نحبه رحمه الله تعالى. فكتم الأمراء موته، ورحل ألاى بيك وأكابر الدولة كخية سليمان باشا من عكة، ومعهم العساكر والمدافع، وقربوا من طبرية، ثم ضربت المدافع، ونزلوا على طبرية، بعدما وضعوا الباشا في التخت وحوله الجوخدارية، والغلمان تروّح له بالمراوح يميناً وشمالاً، وأمروا الخدام أن تنادي بالعسكر وهم مارين: الله ينصرك يابو خرما يا سليمان باشا. ثم أمر أن تفرد البيارق وتصطف العساكر وتسير، ومرّوا على طبرية، ولم يدر أحد ما جرى. ولما وصلوا إلى جسر بنات يعقوب بلغهم أن خمسة آلاف من المتاولة كامنين لهم، فرحلوا أول الليل وجدّوا في السير، فلطف اللطيف، ووصلوا للشام طلوع الفجر. ويوم دخولهم قامت الإنكشارية وقتلوا جماعة من الدالاتية تعدياً بلا سبب. وأما فتحي جلبي الدفتردار فإنه أمر بسجن السلحدار والخزندار والسيد محمد بيك، ابن عم سليمان باشا ومحمد آغا الديري، وكيل الخرج والمتصرف بدمشق الشام. وكان سجنهم في باب الآغا، ورسم على من معهم من الجماعة، وأقام ينتظر الجواب.

وفي نهار الأربعاء، رابع عشر شهر شعبان من هذه السنة، ورد خبر بأن أسعد باشا بن العظم، الحاكم في حماه، قد تقررت عليه ولاية دمشق الشام مع إمارة الحاج. فأبقوا متسلمها علي آغا المتقدم ذكره إلى حين حضور الباشا المذكور.

وفي ذلك النهار جاء ثلاثة نجابة من المدينة المنورة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام، وأخبروا بأن المدينة محاصرة وأنها ثلاثة أحلاف: حلف مع غزة القلعة، وحلف مع الطواشي، وحلف مع أهل المدينة، وأنهم في قال عظيم، وأن شريف مكة أرسل إلى الطواشي خمسة عشر بيرقاً تساعده على ذلك، وأن النجابين المذكورين، قاصدين اصطنبول، ليخبروا حضرة السلطان بذلك الحال.

وفي يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان المبارك الواقع في سنة ١١٥٦، كان دخول أسعد باشا ابن العظم لدمشق الشام والياً. وكان دخوله من مسجد الأقصاب، وهي المحلة المشتهرة عند أهل الشام بمز القصب. ودخل بموكب عظيم من الإنكشارية وأكابر دمشق وأمرائها وأعيانها.

وفي ليلة السبت، حكم قاضي دمشق بإثبات هلال رمضان، وضربت المدافع قبيل العشاء، وصليت التراويح في جامع الأموي وفي سائر الجوامع.

وفي ليلة الخميس خامس رمضان المذكور، سافر أسعد باشا بعسكره على الدورة، وترك على البلد المتسلم علي آغا المتقدم ذكره. وكان خروجه بزمن معتدل، والبلد بأمن وخير كثير، فرطل الخبز بخمسة مصاري، وأوقية السمن بستة مصاري، ورطل الأرز بتسعة مصاري، ورطل اللحم بثمانية عشر مصرية، وغرارة القمح بخمسة وعشرين قرشاً. والغلاء بهذه الدرجة، ولم يكن محل ولا جراد، ولا قلة مطر، ولكن من قلة التفتيش، والالتفات. وقد سافر حضرة أسعد باشا، وأبقى المتسلم المذكور آنفاً، وقد ترك كل شيء على حاله.

وقد توسط فتحي أفندي الدفتري في الصلح بين الظاهر عمر حاكم طبرية، وبين حضرة أسعد باشا. فأرسل له الظاهر عمر أربعين حملاً محملة أرزاً وسكراً وجوخاً، وهذا ما عدا لفتحي الدفتري مما اختص به، فإنه كان هو السلطان في الشام، وصاحب نفوذ الكلام، وكلامه يقتضي الأشغال، والأمر المفوض لذي الجلال.

وفي تلك الأيام وصلت الأخبار بأن الخارجي المسمى بطهماسب، وصل إلى أرض العراق، وأخذ مدينة كركوت، ومحاصر الموصل وبغداد، وقد باع الحريم والأولاد، نسأله الله تعالى اللطف بالعباد.

<<  <   >  >>