وفي سابع جمادى الثانية من هذه السنة، خرج سليمان باشا قاصداً قتال الظاهر عمر، حاكم قلعة طبرية، واستصحب معه من العسكر نحو خمس مئة رجل، ألبسهم قلابق. وكانوا يشبهون الأرنؤوط وسماهم الأرانطة. وجاءه فرمان من الباب العالي بأن يخرج معه والي صيدا ووالي طرابلس والقدس وغزة والرملة وإربد، وقيل ركب معه من جبل الدروز عشرون ألفاً ويوم العاشر أرسل إلى أغاوات الإنكشارية، وأن يرسلوا له ثلاث مئة إنكشاري، وما بقي من العساكر يرسلونهم لمحافظة قرى حوران. وأرسل أيضاً إلى عامة قرى الشام بأن يخرجوا من كل قرية عشرة أنفار، ليحافظوا مع الإنكشارية أيضاً. ثم سار بتلك الجموع، وحطّ على مرج القَدَس بفتح القاف والدال في بلاد المتاولة، وأرسل طلب الأمير ملحم، فجاءه ومعه مئتا خيال. وبعد مدة جاء خبر لدمشق، بأنه وقع قتال بين الدروز والمتاولة، فقتل من المتاولة أكثر من ألف وحرقت الدروز بلادهم ونهبت أموالهم. ثم صالت المتاولة على الدروز فقتلت من الدروز نحو خمس مئة رجل، وكان معهم الأمير حيدر صاحب قلعة دير القمر، فنهاهم الباشا، فاعتذروا له فتركهم وشأنهم. ثم رحل حضرة سليمان باشا، طالباً قلعة دير حنا وأخذ معه شيخ المتاولة نصار ومعه نحو من أربع مئة إنسان، ورجع الدروز، ولم يرض معاونتهم، وكان في قلعة دير حنا أبو سعد أخو الظاهر عمر.
قال البديري: وفي تلك الأيام جاء الخبر إلى دمشق، بأن القافلة التي سارت إلى بغداد أخذتها العرب، وكان بها من الأموال ما لا يحصى بقلم، ومن جملتها هدية وافية من حضرة سليمان باشا والي الشام، إلى أحمد باشا بن حسن باشا والي بغداد. وقد نقلت الرواة بأن العرب الذين أخذوا القافلة من أعوان الخارجي، الذي خرج من بلاد العراق، ويسمى طهماسب الذي تغلب على ملك العجم وأخذ بلاده، وعلى ملك الهند وأخذ بلاده، وقصد مدينة بغداد وحاصرها أشد الحصار.
وفي سابع يوم من رجب، جاء خبر لدمشق بأن سليمان باشا ابن العظم قد مات، ودخل في خبر كان، فحالاً قام فتحي أفندي بن الفلاقنسيّ، دفتردار الشام، وختم على دوره وخزائنه وأملاكه. وأقام على ذلك حرساً بالليل والنهار، وقرر علي آغا المتسلم على حاله، وكتب بذلك عرضاً، وأرسله للدولة العلية.
وفي ليلة الخميس ثامن رجب من هذه السنة، في وقت الفجر أدخلوا سليمان باشا في تخت، وأدخلوه لسراية الحكم، وغسّلوه بها ودفنوه ضحوة النهار في مدفنهم في باب الصغير، بجوار سيدنا بلال الحبشي، في القبر الذي فيه ولده إبراهيم بيك، بوصية منه رحمه الله تعالى رحمة واسعة. فقد كان وزيراً عادلاً، حليماً صاحب خيرات ومبرات، محباً للعلماء وأهل الصلاح. وقد أبطل مظالم كثيرة كانت على أهل الشام، مثل الشاشية والمشيخة والعرض، وهي أموال تفرض على الحرف والصنائع والحارات في الشام مرة أو مرتين في السنة.