وفي منتصف جمادى الثانية بلغني أن بعض عسكر أسعد باشا قيل هم المغاربة تحرش بالدروز، وذلك حينما كان الباشا وعساكره مخيمين ببلادهم، وأطلقوا عليهم الرصاص، ووقعت المناوشة بالقتال، نهض حضرة الباشا على قدميه، وكان جالساً على الغداء، وأخذ بيده رمح كذا وقيل تدرّع، وطلب أمام عسكره القتال، وأخذ بين يديه إنكشارية الشام، وكان عليهم محمد آغا بن عبد الله آغا كمش أغلى. فصاح الآغا على جماعته وطلب الغارة وحده وتبعه الباشا وبقية العسكر، وجرّوا المدافع وجدّوا الغارة طالبين فم الجبل، والرصاص منهم وعليهم مثل المطر، فكان أول من انهزم عسكر الدالاتية أهل الكبر والجبروتية. ولم يصب أحد ولله الحمد من عسكر أوجاق الشام سوى رجل من إنكشارية بعلبك. ثم إن حضرة أسعد باشا عنّف عسكر الدالاتية بعد غضب منه شديد، وقال لهم: تباً لكم من أعوان، ولمن اتخذكم من أنصار، تأخذون العلايف والمال وتهربون من الحرب والقتال، والمتطوعون يقاتلون لله ورسوله، ويتسابقون للحرب، مع ما قد فعلت معهم من الفعال من قتل وسلب وخراب ديار، ولكن سوف أعرف لهم هذا الأمر وأزيل عنهم الشر والقهر. ثم إنه دعا أوجاق الشام وأوعدهم بالإحسان والإكرام. ثم بقي كذا الحرب في اشتعال بقية ذلك النهار، ثم أخذ حضرة الباشا المدافع إلى الجبل، وحلف الأيمان المعظمة أنه لا يرجع عن الجبل، حتى يرمي كل من فيه بالهلاك والتلف، ويجعلهم أحاديث. ثم كتب إلى حمص وحماه والمعرّة والشام بأن يجردوا له الرجال الأجلاد، وطلب من كل قرية خمسة عشر نفرا، وعمل على أهلها كل واحد أجرته نصف غرش، وأرسل فرض عليهم بعض أنفار، وأكثر عليهم من فرائض الأموال. وشدد الأمر على الناس حتى ضيّق منهم الأنفاس، وزاد عن القياس. وكان قد قتل من أهل الجبل أربعة أنفار من كبارهم مع من قتل ذلك النهار، ومع ذلك فقد طلبوا الصلح ووزنوا له المال، فأبى إلا القتل والسلب. وكان قبل الواقعة بأيام أمر حضرة الباشا بأن تحصد الغلال التي للدروز وغيرهم وأمر بضبطه، وكلما جمعوا شيئاً نهبوه، وقد كانت بركات كثيرة، لأن إقبال هذا العام شيء كثير ما سمع بمثله، وغالبه اندرس تحت الأقدام. وكان رطل الخبز بدمشق بستة مصاري. فلما جاء القمح الجديد باعوه بخمسة مصاري، وبعد يومين نادوا على الرطل بثلاثة مصاري. وقالوا: يا رعية قد أنعم عليكم رب البرية، رطل الخبز بثلاثة مصاري. وثاني يوم اشتغل البرطيل والرشوة للمتسلم موسى كخية وغيره من لأهل الظلم، فحالاً سمعوا منادياً ينادي لا أحد يبيع رطل الخبز بأقل من أربعة مصاري. وقيل كان ذلك من شيخ الطحّانة، وكان يُلقب بالتخان، عامله الله بما يستحقه آمين. وكانت الحركة المتقدمة التي أزعجت الباشا سببها من الله، والجزاء من جنس العمل، لأنه حضرة الباشا قد أخذ بيد التخان المذكور، وهو شيخ الطحانة، وقد أمره الباشا أن يبيع قمحه على سعر الغرارة بخمسة وثلاثين قرشاً. ثم بعد مسير الباشا وهو يوم الحركة كان قد نزل سعر القمح، فصار ثمن الغرارة خمسة وعشرين غرشاً، فلم يقدر أحد أن يبيع بهذا السعر إلا خفية. وقد ضاق الأمر على الفقراء والمساكين. وكان كل من تحرك من العامة ربطوه بحبل طويل، وجرّوه إما إلى العذاب وإما إلى القتل وسلب المال والعرض. والأمر لله العلي الكبير.