قال المؤرخ البديري: وقد بلغني عن أسعد باشا وهو نازل إلى جبل الدروز بلغه بأن ضيعة من ضيع البقاع إلى الدروز، فأمر بعسكره بنهبها وسلبها، فلما وصلوا إليهم تلقتهم أهلها بالبشر والفرح والسكون، وهم عمّا يراد بهم غافلون، ثم أنزلوهم وذبحوا لهم وضيفوهم، فنزلوا وأكلوا واكتفوا، ثم قاموا وجردوا عليهم السيوف، فصاحوا عليهم لا تفعلوا أنتم أصدقاؤنا ونعم الضيوف. فلم يسمعوا بل قتلوا منهم جماعة وجرحوا، فطلبوا الهزيمة حالاً وفروا من وجوههم، فنهبوا متاعهم ومصاغهم وأموالهم. ثم طلبوا النساء فانهزمن من بين أيديهم، ودخلوا بعض البساتين هناك، وكانوا يزيدون على ثلاث مئة امرأة وبنات أبكار، فهجم عليهم كذا ذلك العسكر، ومسك كل واحد منهم واحدة، وهم يصطرخون بالبكاء والعويل، فلم يجدن مساعداً حتى فعلوا بهن المنكر. وهذا نقله لي من اطلع على حقيقة هذا الخبر. وحرقوا القرية بعدما نهبوا جميع ما فيها وترك أهلها بالويل والتنكيل. وحسبنا الله ونعم الوكيل. وكان ذلك قبل الوقعة، وقيل هي سبب الفتنة.
ولما جمع حضرة أسعد باشا الجموع وملأت البراري والربوع، فكان من جملة من قدم لعند الباشا محمد باشا صيدا، وكان رجلاً كبير السن، قد جرّب الدهر وأهله. فتلقاه أسعد باشا بالعز والإكرام وشكى إليه ما فعلته الفرقة الدرزية من الغدر والقتال، وسأله المعونة على هذا الحال. فلامه محمد باشا على ذلك، وأمره بالكف عن قتالهم، وقال له: هذا أمر يعود علينا وعليك بالتلف، ولا ترضى الدولة به لأنهم أي رجال الدولة يريدون العمار للبلاد ويكرهون الجور والفساد، قادرون على إرسال عشر وزراء بيوم واحد، ولا يقدرون أن يعمروا في عشر سنين قرية إذا خربت من هذه القرايا، ولأجل خاطري أيضاً صالحهم، وخذ مالك عليهم من المال المعلوم واترك أولادهم. وكان أولاد أمرائهم قد حبسهم أسعد باشا في القلعة، ولهم أكثر من سنتين، وهم صغار غير بالغين. ثم شدّد عليه بذلك.
فأجابه لذلك حضرة أسعد باشا، لكن ظاهراً لا باطناً، لأن مقصود الباشا المذكور تدميرهم عن بكرة أبيهم، وهذا من قبيل المستحيل.
فقال له حضرة أسعد باشا: أنت إذن دبّر هذا الأمر برأيك. فقال: دعنا نشترط عليهم ما تريد من الشروط. فحلف له أنه لا يشرط عليهم شرطاً ولا يأخذ مالاً ولا يفعل معهم شيئاً. ثم ودع محمد باشا باشة صيدا بعدما عظمه واحترمه، وأضمر خلاف ما أظهره.
وبلغني أنه بالوقت أرسل خبراً إلى الدولة العلية يطلب لأخيه مصطفى بيك الوزارة بصيدا، حتى يفعل بالجبل ما أراد، ويشفي منهم الفؤاد. وقيل إن باشة صيدا أرسل يطلب من أهل الجبل إلى أسعد باشا جملة من المال، فحلفوا له أن لا يعطوه ولا عقال، ولكن إذا أرسل أولادنا أرسلنا له أربعين كيساً، الذي كذا هي علينا معتادة، وإلا دعه يفعل ما أراد، فوالله إن حرّك ساكناً لنهدمنّ عليه البلاد، فنحن ما الذي فعلناه حتى يقابلنا بهذه الأمور، أما كفاه أنه أهرق دماءنا وأباح مالنا ونساءنا، وقد أعدم لنا أكثر من مئتي كيساً من الحنطة والحبوب.
هذا وأسعد باشا قد فرّق ما جمع، وعيونه من غيظه تدمع، وبقيت الأمور تحت الأوهام. وقد عادت الأوجاقات السباهية والإنكشارية إلى الشام، ولم تنتظم الأمور والأحوال، والحكم لله الملك المتعال.
وفي شهر رجب من هذه السنة، وهي سنة ستين ومئة وألف وقع حرب بين بني صخر وعرب عنزة في بلاد حوران بسبب استيلاء أغنام بعض القبائل.
وفي هذا الشهر أيضاً وصل خبر إلى دمشق بأن الدروز نزلوا من الجبل ونهبوا وسلبوا، وحرقوا ثمانية عشر قرية من بلاد البقاع، وحاصروا بعلبك وضيقوا عليها الحصار.
وفي يوم الأربعاء ثامن رجب ورد من صيدا عبد الله باشا ابن الكبرلي، وكان مجيئه من جهة إسلامبول، وشاع عنه أنه يريد الحج ونزل بدار أبو شنب.
وفي يوم الاثنين من هذا الشهر توفي الشيخ عبد الرحيم بن الإسطنبولية رحمه الله. وبهذا النهار ضربت مدافع، فسألت عن السبب، فقيل: إن صيدا جاءت إلى موسى كيخية متسلم دمشق من قبل أسعد باشا. وكان هذا الرجل أولاً كيخية عند إسماعيل باشا ابن العظم. وجاء مع القبجي فرمان بأن نشدّ الرحال لقتال الدروز، وأن يضيقوا عليهم وأن يدمروهم عن بكرة أبيهم.