وفي تلك الأيام وقع بيت بباب السريجة على امرأة وصبي صغير. في تلك الأيام أيضاً قتل كردي وزوجته في محلة سوق ساروجا. وسبب ذلك أنه كان حاجاً، ولما جاء وجدها متغيرة في أحوالها، ثم تبين أنها عابت في غيبته، وكان ذو كذا حسن وجمال فذبحها ولم يبال بأحد. وفي تلك الأيام أيضاً قتل رجل ابنته في محلة سوق ساروجا، وهي ابنة أربع سنين، فبلغ حضرة أسعد باشا أمرها وأن تلك البنت أمها مطلقة وخالتها امرأة أبيها غير محبة لها، فدست لأبيها عليها بعض الكلام، وكان أبوها من الحمق والجنون على جانب عظيم، فضربها بالعصا ضرباً مؤلماً، ثم ربطها بشجرة داره وبقيت طول الليل مربوطة إلى الصباح، فجاء ليحلّها فوجدها قد ماتت، وكانت ليلة ذات برد شديد، فأحضره أسعد باشا وأمر أن يضرب ضرباً شديداً، فضرب ثم وضع بالحديد بعدما أخذ منه أموالاً كثيرة. وفي يوم الأربعاء ثامن صفر الخير من هذه السنة توفي الشيخ محمد أبو قميص الكردي شيخ مدرسة المرادية. وسمي بأبي قميص لكونه إذا لبس قميصاً لا ينزعه حتى يتقطع، وهذا غاية في الزهد، وقد كان صائماً متهجداً، خرجت في جنازته الأكابر والأعيان لاعتقادهم في صلاحه، ودفن في تربة مرج الدحداح، ولما فُتحت حجرته وجدوا عنده عشرين ثوباً من الكتان جدداً وخمسة عشر نصف مقطع وسبعة قناطير حطب وعشرة أرطال أرز وقدرة سمن وقدرة عسل، وغير ذلك من المؤن. ووجدوا قدرة بها أرباع ريال ومثلها مصاري، وفيها ذهب وأمتعة وحوائج وبدراويتين ملآنتين قمصان، ووجدوا مقدار مئة كتاب قدّورهم بثمن عظيم. فانظر إلى زهد مثل هذا، فقد ذهب الصالح بالطالح.
وفي يوم الجمعة عاشر صفر توفي الشيخ إبراهيم إمام القشماسية، وكان فقيهاً صالحاً، ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله. وفي يوم الجمعة اثنين وعشرين من ربيع الأول توفي العالم النحرير الشيخ أحمد الحرستي أمين الفتوى في بيت العمادي رحمه الله.
وفي تلك الأيام باع رجل جرة زيت إلى رجل آخر، فقبض ثمنها بعدما وزنها؛ ثم حملها إلى دار الرجل، وقال: أبقِ عندك هذه الجرة، فبعد ساعة آتيك وأفرغها لك، قال: لا بأس بل أنا أفرغها وأي وقت جئت تجد الجرة، ثم ذهب صاحب الزيت، وبعد ساعة فرغها المشتري، فوجد بها أربع أواقٍ من الزيت والباقي ماء صافياً، فطلب الرجل فلم يجده.
وفي يوم السبت سلخ ربيع الأول قتل قبقولي رجلاً من الأشراف في مأذنة الشحم، ضربه بخنجر في صدره أخرجه من ظهره، وترك الخنجر مغروزاً فيه، حتى أخرجه قاضي كشف عليه ثم ألقوا القبض على القاتل، وقامت الأشراف، وثبت عليه القتل فحبسوه في القلعة، وفي تلك الليلة خنقوه.
وفي يوم الأربعاء غرة جمادى الأولى توفي الشيخ محمد بن الشيخ شعيب الشهير بالشيخ جينة القاطن بحارة باب السريجة. كان رحمه الله ضحوك السن لطيفاً على غاية من الصلاح، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى. وفي ثامن جمادى الأولى اغتيل رجل شقي من الصالحية يعرف بالفستقي، كان كما قيل داهية دهماء ومصيبة عظماء، شجاع يرد مئة شجاع بعصا، سارق ما سمع بمثله بين اللصوص المشتهرين بالحيل، فمن حيله وشطارته التي ما سمع بنظيرها أنه متى وضع يده على أعلى حائط فمتى علق ظفره به صار أعلاه، والمدهش أن يكون ظهره للحائط، وإذا وضع في أي مكان وأغلق عليه الباب وقفل، خرج منه مهما كان، وهذا كله ولم يجاوز العشرين سنة من عمره، ثم إنه بغى على أهل الصالحية خصوصاً وعلى غيرهم فأعياهم أمره، فجعلوا لشخص جُعلا على قتله، فاغتاله بعد ما عمل معه صحبة، وقتله وراح وكأنه ما كان.
وفي يوم الثلاثاء جاء خبرٌ إلى دمشق بأن ليلة الاثنين قُتل حاكم بعلبك الأمير حسن، وقد كان خارجاً من الجامع، فاغتاله ثلاثة أشخاص، ورموه بثلاث بنادق وفروا هاربين وحمل إلى داره. وفي اليوم الثاني توفي، وقد قيل بأن القاتلين له إخوته، حيث أن له من الإخوة سبعة، والله أعلم.
وفي تلك الأيام فرض والي الشام أسعد باشا على الزعماء والأكابر والتجار بأن يأتوا له من مدينة حماة بقمح، ويكون أجرته منهم، فذهب بعضهم وأتى بقمح كثير، فبيعت الغرارة بإحدى وثلاثين غرشا، ولم نستفد غير وجوده، وأما الغلاء فإنه باق بجميع الأصناف كما قدّمنا تسعيره.