وفي ليلة السبت توفي موسى كيخية أسعد باشا والي الشام ودفن بباب الصغير قريباً من تلة الشاغور، وصار له مشهد عظيم. كان رحمه الله هضيم النفس، طلب علما في أول أمره، عنده شفقة ورأفة ويحب المسألة ومصالحة الخصوم، حتى صارت الشام وما حولها حتى من العربان طوع يده، وخلف ثلاثة من الولد أحدهم صار حاكم القدس، والثاني حاكم غزة، والثالث صغير من امرأته الشامية، واستقام في الكخوتية من حكم سليمان باشا إلى سابع سنة من حكم ابن أخيه أسعد باشا.
وفي يوم الاثنين ثاني وعشرين من جمادى الثانية قُتل اثنان من رعيان التركمان في أرض الغوطة في المحفرة، أحدهما عاش، فسئل عمن فعل بهما ذلك، فأخبر أن بعض المغاربة ظن أن معهما مال. فبعدما أوقعوا بهما ذلك الحال، وجدوا مع أحدهما ربع ريال، والثاني قليلاً من الفلوس، فرجعوا خاسرين الدنيا والآخرة.
وفي تلك الأيام كبَّر أسعد باشا داره الجديدة الذي ما صار نظيرها ولا عمل مثلها ولا وجد في الكون لها مثيل. وبينما النجارين كذا يرفعون السقائل لأجل رفع الطوان وقع ثمانية أنفار من النجارين فتهشموا، ولم يقتل ولله الحمد منهم أحد، فأمر حضرة الباشا بأن يرسلوا إلى بيوتهم، وأعطى كل واحد منهم نصف ذهب. وفي ذلك العام اشترى أسعد باشا والي الشام من الصالحية ومن أرض العنابة ومن غيرها أراضي وبساتين.
واشترى كذلك سوق الدق وما حوله من الدكاكين، ومراده أن يعملهم قيسارية ليس لها نظير في قيسارية الشام.
وفي يوم الجمعة توفي بقية السلف الصالح معتقد أهل الشام على الإطلاق الشيخ عبد اللطيف بن عبد الهادي، وقرئ نسبه عند إقامة الصلاة عليه في مقصورة الجامع الأموي، فوجد بينه وبين سيدنا عمر بن الخطاب ثلاثون جدّاً. وصار له مشهد عظيم ودفن بمقبرة مرج الدحداح، رحمه الله تعالى.
وفي يوم الاثنين سلخ جمادى الثانية دخلت أرطة القبقول يتمش إيكي، فخرجت لملتقاها كل من لف برمه مع مئتين تفكجي وجماعة من الدالاتية، كل ذلك بأمر الباشا، ودخلت بعراضة أي موكب ولا موكب الحج الشريف، وخرجت الناس للفرجة رجالاً ونساءاً كباراً وصغارا، وزينوا لهم حارة العمارة بالقناديل والمشاعل ودخلوا بكبر وجبر وعتوّ، نسأله تعالى العافية.
وفي تلك الأيام أرسلت الدولة العلية تطلب من حضرة أسعد باشا منافح النوق وشرش جنزبيل، فحالاً حضرة الباشا استجلب من عرب الجبلة ثلاثة نوق لم يأكلوا إلا حليب أمهم، فذبحوا كذا واستخرجت منافحهم، وأرسلهم حضرة أسعد باشا مع شرش الجنزبيل مع ثلاث نياق حبالى حاملات يصحبهم ثلاثة طواشية.
وفي تلك الأيام وصل خبر إلى دمشق الشام بأن سعد الدين باشا الذي هو أخو أسعد باشا جار على أهل حلب، فغلّى الأسعار، وطلب منهم مئتي كيس غرش، لكونه توجهت عليه سردارية جردة الحاج، فأبوا أن يعطوه، ووقع جدال عظيم، وبطلت صلاة الجمعة وقتل منهم جماعة. وثاني يوم كان رطل الخبز بعشرة مصاري، فنادى عليه بأربع مصاري، واللحم كان بثلاثين الرطل، نادى عليه باثني عشر مصرية، فأرسلت أعيان حلب عرض إلى الدولة العلية بما جرى. ولم ندر ماذا يكون بعده.
وفي أوائل شعبان من هذه السنة وصل خبر إلى دمشق بأن ابن الحرفوش حاكم بعلبك المتوالي الرافضي المشهور قبض على المفتي وعلى أخيه وأحرقهم بالنار، وهدم دارهم وقطع كرومهم. وقد كانت هذه العائلة الخبيثة الحرفشية لعنها الله قبل أعوام قتلت أيضاً الشيخ يحيى مفتي بعلبك المشهور بالعلم والكرم.
وفي تلك الأيام شنق رجل نفسه في جامع يلبغا بشجرة فيه ليلا، فأصبح الناس فوجدوه مشنوقا، ولم يعلم السبب. وفي تلك الأيام وقع باب بستان على رجل في الصالحية يقال له السيد إبراهيم الحلواني من حارة السويقة، فحملوه إلى داره، ومات في اليوم الثاني.
وكان أول رمضان من هذه السنة نهار السبت، أثبت في الساعة السادسة ليلا. ونهار الاثنين ثالث رمضان قُتل آغة القبقول في القلعة بعد العصر، والذي قتله أحد جماعته بتدبير من أحد الآغتين المعزولتين، لأن بدمشق ثلاثة أغاوات للقبقول، أحدهما كذا الموظف المقتول والاثنان المعزولين تبرحا عليه حسدا، فاغتالاه وذهب دمه هدرا. وقتل أيضاً محمد بشه بن شمس في وادي القرن ولم يعلم قاتله. وسادس رمضان دخل الصرة أميني إلى الشام. وكان العيد الاثنين والصوم تماماً.