أما نهيه رضي الله عنه عن الزيادة في الصداق، فقد رواه أحمد في "المسند" وأصحاب "السنن" من طرق عن محمد بن سيرين عن أبي العجفاء السلمي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية ... ) وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. وزيادة الصداق ونقصانه تابع إلى يسر الزوج وإعساره، وقد روى مسلم "صحيحه" عن أبي سلمة عبد الرحمن أنه قال: سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً، قالت: أتدري ما النش؟ قال: قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. وقد روى مسلم في "صحيحه" أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (على كم تزوجتها؟) قال: على أربع أواق -أي من فضة- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (على أربع أواق؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل) وذلك لضعف حاله وعدم استطاعته، فيؤخذ من هذا أن عمر رضي الله عنه كره التغالي في الصداق عموماً، وهذا لا خلاف فيه. وأما قصة رد المرأة على عمر واستشهادها بالآ ية، فقد رواها أبو يعلى وفي سندها مجالد بن سعبد، وهو ضعيف، قال الحافظ ابن حجر عنه في "التقريب" ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، ولها طرق أخرى منقطعة، واستشهاد المرأة بالآية ليس في محله، لأن الآية في المختلعة. ومعنى الآية: إذا أردتم استبدال زوج جديدة ترغبون عنها لكراهتكم لها، وعدم طاقتكم الصبر على معاشرتها بالمعروف،، وهي لم تأت بفاحشة مبينة، وقد آتيتم من قبل إحداهن قنطارا من المال، أي مالا كثيرا، سواء أخذنه وحزنه في أيديهن، أو التزمتموه لهن، فصار ديناً في ذمتكم، فلا تأخذوا منه شيئاً، بل يجب أن يكون كله لصاحبته، لأنكم إنما تستبدلون غيرها بها لأجل هواكم وتمتعكم بغير ذنب شرعي منها يبيح لكم أخذ شيء منه، كأن تكون هي الطالبة لفراقكم المسيئة =