للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِقَادِ الْإِنْسَانِ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا وَتَوَعَّدَ فَاعِلَهُ بِالْعُقُوبَةِ الْمُجْمَلَةِ, وَاعْتِقَادِهِ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ أو تَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِعُقُوبَةِ مُعَيَّنَةٍ, حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ, فَكَمَا جَازَ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْأَوَّلِ بِمُطْلَقِ الدَّلِيلِ, فَكَذَلِكَ يجوز الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالثَّانِي. بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْعَمَلُ بِهَا فِي الْوَعِيدِ أَوْكَدُ؛ كَانَ صَحِيحًا. وَلِهَذَا كَانُوا يَتسَاهلُونَ فِي أَسَانِيدِ أَحَادِيثِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ, مَا لَا يَتسَاهلُونَ فِي أَسَانِيدِ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوَعِيدِ يَحْمِلُ النُّفُوسَ عَلَى التَّرْكِ.

فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَعِيدُ حَقًّا, كَانَ الْإِنْسَانُ قَدْ نَجَا, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَعِيدُ حَقًّا بَلْ عُقُوبَةُ الْفِعْلِ أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ لَمْ يَضُرَّ الْإِنْسَانَ -إذَا تَرَكَ ذَلِكَ الْفِعْلَ- خَطَؤُهُ فِي اعْتِقَادِهِ زِيَادَةَ الْعُقُوبَةِ، لِأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ نَقْصَ الْعُقُوبَةِ فَقَدْ يُخْطِئُ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا فَقَدْ يُخْطِئُ.

فَهَذَا الْخَطَأُ قَدْ يُهَوِّنُ الْفِعْلَ عِنْدَهُ فَيَقَعُ فِيهِ, فَيَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الزَّائِدَةَ إنْ كَانَتْ ثَابِتَةً, أَوْ يَقُومُ بِهِ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ.

فَإِذن, الْخَطَأُ فِي الِاعْتِقَادِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ -تَقْدِيرِ اعْتِقَادِ الْوَعِيدِ, وَتَقْدِيرِ عَدَمِهِ- سَوَاءٌ, وَالنَّجَاةُ مِنْ الْعَذَابِ

<<  <   >  >>