وقد يطيل أحدهم القيام، وربما غاب عن نفسه فلا يحس بضرب ولا تأنيب، وأكثرهم يتوجهون إلى ناحية القبر حالة الجلوس أو الدعاء أو قراءة الأوراد، مفضلين له على القبلة وهم في تلك الحال، متصفون بالسكينة والخشوع والإخبات، والكثير منهم أو من الملقنين لهم يتسترون خوفاً من إنكار البعض عليهم، فعند انفرادهم تظهر مخبآت الصدور، وقد يغلب الكثير منهم بعض ما يجدون، فيبوح بما في ضميره ولو رآه، أو سمعه الجمهور، وكثيراً ما تبدر منهم كلمات تنافي أصل التوحيد أو كماله: كوصف الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعض أهل بيته بما لا يستحقه إلا الله من سعة الملك، والتصرف في الكون، والإعطاء والمنع، والضر والنفع.. إلخ. وأقل ذلك ملك الشفاعة بدون إذن الله ورضاه.
وبموجب هذا الاعتقاد يدعونه صلى الله عليه وسلم ويسألونه ما لا يملكه إلا الله، ويعتمدون عليه، وتصدر منهم أفعال كهذه الأقوال، تدل على التعظيم واعتقاد التأثير، فتراهم يبتهلون غفلة الحراس، أو يدفعون لهم نقودا ليتمسحوا بالباب والأستار والحيطان والمنبر ونحوها، وكثيراً ما يطوفون بالحجرة كالطواف بالبيت العتيق، وأضعاف هذه الأفعال والأقوال التي لا تصدر إلا عن اعتقاد في تلك الستور والحيطان.
وقد دفعهم إلى هذه الزيارات وما ينتج عنها ما يتناقل بينهم كثيراً من حكايات واهية، وأخبار ضعيفة، أو مكذوبة، ومنامات أشبه بأضغاث الأحلام، ولكن راجت تلك الأمور على السذج وضعفاء البصائر، فتناقلوها وضمنوها مؤلفاتهم، وتداولتها الأيدي، وانتشرت واشتهرت على الألسن، حتى وقعت منهم موقعاً، وتمكنت في النفوس، وتوارثها الأجيال من غير نكير، واعتقدوها الحق وسواها باطل وضلال.