الجزء الثاني من الإقليم الأول: أول ما يلقاك منه مدينة بريسا وهي من أشهر بلاد التكرور. وإن ضعف سلطان التكرور انفرد صاحب بريسا بنفسه. والمسافرون يترددون عليها وهي آخر مدائن التكرور على شمال النيل حيث الطول اثنان وعشرون درجة والعرض ثلاث درجات ونصف. والغالب على لباس السودان التكرور وغيرهم الجلود. وإذا احتشم الواحد منهم كان الجلد مدبوغاً. ومن خالط البيض وتخصص اتخذ لباسه من الصوف والقطن وذلك مجلوب له. والغالب على مأكلهم القطانيا، عصايد غير مختمرة. والخبز عندهم لا يوجد إلا طرفة عند الملوك المتخلقين بأخلاق البيض. وخيلهم قصار غير سابقة. وسلاحهم دبابيس الأبانوس، وهو كثير على النيل ومنه يحتطبون ولهم قسي وسهام من القصب الشوكي ومنه يصنعون أوتارها، وفي ديارهم شجر القطن. ولا يبني بالجبص والآجور إلا ملك أو من أذن له في ذلك من أهل الرفه والتخصص. وباديتهم عراة. المسلمون منهم يسترون فروجهم بعظام أو جلود والكفار لا يستترون. وفي شرقي بريسا وشمالها ينصب نهر لامي المنحدر من الجبال التي في جنوب مدينة لامي. وهذه المدينة كالقرية تحت طاعة كفار لملم. وأهلها يهود يعرف جنسهم في الرقيق ببلاد المغرب. وجبل لامي امتداده من الغرب إلى الشرق ثمان مراحل يخرج من طرفه الغربي نهر لامي المذكور فيمر في عمائرهم حتى ينصب في النيل. ويخرج من طرفه الشرقي نهر ملل ويتقوس حتى يمر على مدينة ملل، وهي من مدن الكفار المهملين. وعرض مدينة لامي عشر درجات وطولها مسامت لطول بريسا. وطول ملل ست وعشرون درجة. ونهرها ينصب في النيل من سمت مدينة درهم من مدن الكفار المهملين. وهي في وسط المسافة بين لامي وملل. وفي شرقي ما ذكر نهر " الهو " وهو من الأنهار التي ذكرها بطليموس وينحدر من جبل الهو، الذي يمتد خلف خط الاستواء. وهذا الجبل رأسه حيث الطول اثنان وثلاثون درجة والعرض تسع درجات خلف الخط، فيمتد من هناك إلى أن يجوز الخط بدرجتين ودقائق ويخرج منه مع الخط شعبة طولها درجتان يخرج من رأسها الغربي النهر المذكور ويلتوي إلى الشمال كالنون، ثم ينحدر إلى النيل حيث الطول عند مدينة ملل درجتان ونصف. وعلى شطي هذا النهر من مبتدئه إلى قرب مصبه مجالات نمنم وهم أخوم الملم في النسب وأشباههم في الأفعال. ومن شرقيه على أميال جبل سامقدي كبير مشرف، فيه عقاقير ونباتات من منافع تلك البلاد ويأوي إليه خلق من كفرة السودان المهملين المعروفين بسامقدي وبهم عرفت مدينة سامقدي. وهي في رأس هذا الجبل حيث الطول ثلاثون درجة والعرض ثمان درجات. ومدينة غانا على ضفتي النيل تقع من ذلك الجزء حيث الطول تسع وعشرون درجة والعرض عشر درجات وخمس عشرة دقيقة. وبها يحل سلطان غانا وهو من ذرية الحسين بن علي رضي الله عنهما. وله (..) كبيرة فيها ثقب يربط فيه فرسه ويفخر بذلك على سائر ملوك السودان. وهو كثير الجهاد للكفار وبذلك عرف بيته. وفي شرقي مدينة سامقدي جزيرة التبر، رأسها المغربي حيث الطول إحدى وثلاثون درجة ورأسها المشرقي حيث الطول ست وثلاثون درجة ونصف. ووسطها حيث العرض في سمت غانا، ووضعها درجتان. وفي هذه الجزيرة يجدون التبر الكثير يلمع بالليل إذا حسرت المياه الزائدة عن رملها وعلى هذه الجزيرة مدن مشهورة منها مدينة سمغاره. وعلى هذا الذراع الشمالي في آخر هذا الجزء اشهر ما في هذا الجزء بعد غانا من مدن التبر وهي غيارو وهي على خليج يخرج من جنوبي نيل الجزيرة حيث الطول أربع وثلاثون درجة والعرض خمس عشرة درجة. وعن جنوبي نيل غانا مجالات نمنم المتقدمة الذكر وعن شماليه مجالات وانقاره، وهم سودان البلاد وقد فشي فيهم الإسلام.