للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والخَجِل إنما يحمر وجنتاه، فأما منبت الأصداغ ومخطّ العِذار فقليلاً ما يحمران؛ فهذا التمييز مسلّم له، وإن لم يكن يسبق إليه، ولو اتفق له أن يقول: حمرة في جوانبها بياض، لكان قد طبّق المفصِل، وأصاب الغرَض، ووافق شبَه الخجل؛ لكن أراد أن البياض والحمرة يجتمعان، فجعل الاحمرار في جوانب البياض، فراغ عن موقع التشبيه. ثم قال أبو سعيد المخزومي:

والوردُ فيه كأنما أوراقُه ... نزِعت وردّ مكانهن خدود

فلم يزد على ذلك التشبيه المجرّد، لكنه كساه هذا اللفظَ الرشيق، فصرت إذا قستَه الى غيره وجدتَ المعنى واحداً، ثم أحسست في نفسك عنده هِزّة، ووجدت طرْبَة تعلم لها أنه انفردَ بفضيلة لم يُنازع فيها.

ومتى جاءت السرقةُ هذا المجيء، لم تعدّ مع المعايب، ولم تُحْص في جملة المثالب وكان صاحبها بالتفضيل أحق، وبالمدح والتزكية أولى. ومن ذا يشكّ في فضل امرئ القيس يشبّه الناقة في سرعتها بتَيس الظباء في عدوه بقوله:

أو تيس أظبٍ ببطن واد ... يعدو وقد أُفرِد الغزالُ

على كل ما قيل فيه، والمعنى واحد؛ لكن امرأ القيس زاد في إفراد الغزال، وهذه زيادة حسنة؛ لأنه إذا أُفرد اجتمع للتيس الخوف والوَلَه؛ فكان أشدّ لعدْوه، وإن امرأ القيس زاد في قوله يصف الطعنة:

كجيْبِ الدِّفْنِس الوَرْها ... ءَ ريْعَت وهي تستَفْلي

<<  <   >  >>