حدث عبد الله بن مالك الخزاعي، قال: خرجنا مع الرشيد إلى الحيرة للنزهة، ولنرى آثار المنذر، فدخلنا دير هند الصغرى، ورأينا قبر النعمان، وقبر هند ابنته إلى جنبه، ثم خرجنا إلى دير هند الكبرى بظاهر الحيرة، فرأينا شيئاً مكتوباً على حائطه من الأعلى، فدعا الرشيد بسلم، وأمر بأن يقرأ ما فيه، فكان هذه الأبيات:
إنَّ بني المنذر عام انقضُّوا ... بحيثُ شاد البيعةَ الرَّاهبُ
تنفحُ بالطِّيبِ ذفاريُّهمْ ... وعنبرِ يقطبه القاطبُ
والقزُّ والكتّانُ أثوابهمْ ... لم يجلب الصوف لهمْ جالبُ
والعزُّ والملك لهم دائمٌ ... وقهوةٌ ناجودها ساكب
أضحوا وما يرجوهمُ واحدٌ ... خبراً، ولا يرهبهمْ راهبُ
كأنهمْ كانوا بها لعبةً ... سار إلى أين بها الراكبُ؟
فأصبحوا في طبقاتِ الثّرى ... بعد نعيمٍ، لهم، راتبِ
شرُّ البقاياَ منْ بقيِ بعدهمُ ... قلٌّ وذلٌّ جدُّهُ خائبُ
قال: فبكى الرشيد حتى ابتلت لحيته.
٢٧١ دير هند: قرية من قرى دمشق من إقليم بيت الآبار، كان منزلا لعبد الكريم بن أبي معاوية بن أبي محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
قاله ابن أبي العجائز.
وقيل: كان في القرية دير قديم بناه بعض بني جفنة الغساني.
٢٧٢ دير يحنس: بضم يائه المثناة التحتية، وفتح حائه المهملة، ونون مشددة مفتوحة، وآخره سين مهملة.
قال الشابشتي: هذا الدير بسمنود، من أعمال حوف مصر، قيل: إذا كان يوم عيده أخرج شاهده من الدير في تابوت، يوضع على وجه الأرض، فيسير، ولا يقدر أحد أن يمسكه، أو يحبسه حتى يرد البحر، فبغطس فيه، ثم يرجع إلى مكانه.
قلت أنا: وهذا من تهاويل النصارى وترهاتهم، ولا أصل له، والله أعلم.
٢٧٣ دير يونس: قال الشابشتي: هذا الدير ينسب إلى يونس بن متى النبي عليه السلام. وباسمه بني، وهو في الجانب الشرقي لدجلة، يقابل الموصل، بينه وبين دجلة فرسخان في موضع يعرف بنينوى، ونينوى هي مدينة يونس عليه السلام.
وأرضه نوار وشقائق، وحوله البساتين، ويقصده الناي في أيام الربيع.
وتحت هذا الدير عين تعرف بعين يونس يقصدها الناس ليغتسلوا منها.
وفيه يقول أبو شأس:
يا ديرْ يونسَ جادتْ أرضكَ الدِّيمُ ... حتّى ترى ناضراً والنورْ تبتسمُ
لم يشف في ناجرٍ ماءٌ على ظمأ ... كما شفى حرَّ قلبي ماؤكَ الشّبمُ
ولم يحلَّكَ محزونٌ بهِ سقمٌ ... إلاّ تحلّلَ عنهُ ذلكَ السّقمُ
أستغفرُ اللهَ من فتكي بذي غنجٍ ... جرى عليَّ بهِ في ربيعكَ القلمُ
٢٧٤ الديرة البيض: هما ديران، أطلق عليهما لفظ الجمع، نزهان بالصعيد، من أرض مصر في الجانب، الغربي من نيلها، فيهما رهبان كثيرون، يقصدهما الناس لنزاهتهما.
ولهما عيد واحد في اليوم الحادي والعشرين من [بؤونة] وهذان الديران في موضع واحد، يحيط بهما سور له أربعة أبواب. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه جل وعلا المرجع والمآب.
تم الكتاب على يد كاتبه العاجز عز الدين عبد العزيز ابن محمد بن أبي بكر المقري الشافعي اليمني.
وكان الفراغ من نسخه بمكة المكرمة، ليلة الجمعة، رابع جمادى الأولى من سنة خمس وستين وسبعمائة.
ونسخه لنفسه عبد العزيز بن عبد الله الموسى في الخامس والعشرين من صفر الخير من سنة عشر وثلاثمائة وألف، من هجرة سيد المرسلين عليه وآله الطيبين أفضل الصلاة وأتم التسليم آمين آمين آمين. والحمد لله رب العالمين.