ولما أتي بالهرمزان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال له عمر: أعرض عليك الإسلام نصحاً لك في عاجلتك وآجلتك، فقال: يا أمير المؤمنين إنما أعتقد ما أنا عليه ولا أرغب في الإسلام رهبة، فدعا عمر بالسيف، فلما هم بقتله، قال: يا أمير المؤمنين، شربة ماء، هو أفضل من قتلي على ظمأ، فأمر له عمر بشربة ماء، فلما أخذها قال: أنا آمن حتى أشرب؟ قال: نعم، فرمى بها، وقال الوفاء يا أمير المؤمنين نور أبلج، قال: صدقت، لك التوقف عنك والنظر فيك، ارفعا عنه السيف، فلما رفع قال: الآن يا أمير المؤمنين، أشهد أن لا إله الله وأن محمداً عبده ورسوله، وما جاء به حق من عنده، قال عمر: أسلمت خير إسلام وما أخرك؟ قال: كرهت أن تظن أني إنما أسلمت فزعاً من السيف، قال عمر: إن لأهل فارس عقولاً بها استحقوا ما كانوا فيه من الملك، ثم أمر به أن ينزل ويكرم، فكان عمر يشاوره في توجيه الجيوش إلى أرض فارس.
ويشبه هذا في التلطف والتحيل في النجاة ما حكي أن الكلبي قال: لما فتح عمرو بن العاص قيسارية سار حتى نزل على موضع، فبعث إليه علجه أن ابعث إلي رجلاً من أصحابك أكلمه، ففكر عمرو، وقال: ما لهذا غيري، فخرج حتى دخل على العلج، فكلمه فسمع ما لم يسمع قط كلاماً مثله، فقال العلج: حدثني عن أصحابك، هل فيهم أحد مثلك؟ قال: لا تسأل عن هواني عليهم، إذ بعثوا بي إليك، وعرضوا لي إليك، ولا يدرون ما تصنع بي، فأمر له بكسوة وجائزة، وبعث إلى بوابه: إذا مر بك فاضرب عنقه، وخذ ما عنده، فخرج من عنده، فمر برجل نصراني من غسان، فعرفه، فقال له: يا عمرو قد أحسنت الدخول، فأحسن الخروج. ففطن عمرو لما أراد، ورجع فقال له العلج: ما ردك إلينا؟ قال: نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك يسع بني عمي، فأردت أن آتيك بعشرة منهم تعطيهم مثل هذه العطية، فيكون معروفك عند عشرة خيراً من أن يكون عند واحد، قال: صدقت، عجل بهم، وبعث إلى البواب. خل سبيله، فخرج عمرو وهو يلتفت حتى إذا أمن قال: لا عدت لمثلها أبداً، فلما صالحه عمرو دخل إليه العلج، قال له: أنت هو؟ قال: نعم على ما كان من غدرك.
وقال العتبي: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن معدي كرب أن يبعث إليه بسيفه المعروف بالصمصامة، فبعث به إليه، فلما ضرب به وجده دون ما بلغه عنه، فكتب إليه في ذلك فرد عليه: إني إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم أبعث له بالساعد الذي يضرب.
وسأله عمر يوماً عن السلاح، فقال: يسأل أمير المؤمنين عما بدا له، فقال له: ما تقول في الرمح؟ قال: أخوك، وربما خانك فانقصف، قال: فما تقول في الترس؟ قال: هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال: والنبل؟ قال: منايا تخطئ وتصيب، قال: فالدرع؟ قال: مفشلة للراجل، مشغلة للراكب، وإنها لحصن حصين، قال: فما تقول في السيف؟ قال: هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة، وقال: لا، بل لا أم لك.
وقيل لمعاوية: أي الناس أحب إليك؟ قال: من كانت له عندي يد صالحة، قيل: فإن لم تكن؟ قال: فمن كانت لي عنده يد صالحة.
وقيل لأبي عقيل العراقي: كيف رأيت مروان بن الحكم عند طلب الحاجة إليه؟ قال: رأيته عند طلب الحاجة، رغبته في الإنعام فوق رغبته في الشكر، وحاجته إلى قضاء الحاجة أشد من حاجة صاحب الحاجة.
وقال الأصمعي: نظر زياد إلى رجل من ضبة يأكل أكلاً قبيحاً. وهو من أقبح الناس وجهاً، فقال: يا أخا ضبة كم عيالك؟ قال: سبع بنات، أنا أجمل منهن، وهن آكل مني، فضحك زياد، وقال: لله دره ما ألطف جوابه، افرضوا لكل واحدة منهن مائة وخادماً وعجلوا له ولهن أرزاقهن.
وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: كنت أريد أن تقبل مني هذه الجبة، فقال: إن كنت غنياً قبلتها منك، وإن لم تكن غنياً لم أقبلها منك، قال: فإني غني، قال: وكم مالك؟ قال: ألف دينار، قال: أفكنت تود أنه أربعة آلاف؟ قال: نعم، قال: فأنت فقير لا أقبلها منك.
وسألت امرأة عبد الله بن جعفر، فأعطاها مالاً عظيماً، فقيل له: إنها لا تعرفك، وكانت يرضيها اليسير، قال: إن كان يرضيها اليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.