وقال الأصمعي: مدح نصيب عبد الله بن جعفر، فأمر له بمال كثير وكسوة شريفة، ورواحل موقرة براً وتمراً، فقيل له: أتفعل هذا بمثل هذا العبد الأسود؟ فقال: أما والله إن كان عبداً إن شعره لحر، وإن كان أسود إن ثناءه لأبيض، وإنما أخذ مالاً يفنى وثياباً تبلى، ورواحل تنضى، وأعطى مديحاً يروى، وثناء يبقى.
وقال العتبي: وفد حاجب بن زرارة على كسرى، فاستأذن عليه. فقيل له: أسيد الغرب أنت؟ قال لا، قيل: فسيد مضر؟ قال: لا، قيل: فسيد قومك؟ قال: لا، قيل: فسيد بني أبيك؟ قال: لا، ولكني رجل من العرب، فأذن له، فلما دخل عليه، قال له: من أنت؟ قال: سيد العرب، قال: أليس قد قيل لك: أسيد العرب أنت؟ فقلت: لا، حتى اقتصرت بك على بني أبيك، فقلت: لا، قال: أيها الملك لم أكن كذبك حتى دخلت عليك، فلما دخلت عليك صرت سيد العرب، قال: كسرى: املأوا فاه دراً.
وقال المنصور لمسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم فقال: (لو كان فيهما إلهة إلا الله لفسدتا) ، قال: حسبك.
وقال المأمون ليزيد بن مزيد: ما أكثر الخلفاء في بني ربيعة، قال: بلى، ولكن منابرهم في الجذوع.
ودخل المأمون يوماً بيت الديوان، فرأى غلاماً جميلاً، على أذنه قلم، فقال: من أنت يا غلام؟ قال: الناشئ في دولتك، المتقلب في نعمتك، المؤكل لخدمتك الحسن بن رجاء.
وأتى عبد الملك بن مروان برجل يسرق، فأمر بقطع يده، فأنشأ يقول:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذها ... بعفوك أن تلقى مكاناً يشينها
ولا خير في الدنيا، وكانت حبيبة ... إذا ما شمالي فارقتها يمينها
فأبى إلا قطعها، فقالت له أمه: يا أمير المؤمنين واحدي وكاسبي، فقال: بئس الكاسب كان لك، وهذا حد من حدود الله، قالت: يا أمير المؤمنين اجعله من بعض ذنوبك التي تستغفر الله منها، فعفا عنه.
ولما أتي الحجاج بالأسرى الذين خرجوا مع ابن الأشعث أمر بقتلهم، فقال رجل منهم: أصلح الله الأمير، لي حرمة، قال: وما هي؟ قال: ذكرت في عسكر بن الأشعث، فشتم في أبويك، فعرضت دونهما، وقلت: لا والله ما في نسبه مطعن، فقولوا فيه، ودعوا نسبه، قال: ومن يعلم ما ذكرت؟ فالتفت إلي أقرب الأسرى إليه، وقال: هذا يعلمه، فقال له الحجاج: ما تقول فيما قال هذا؟ قال: صدق، وبر الأمير، فقال: خليا عن هذا لنصرته، وعن هذا لحفظ شهادته.
وأتي الحجاج بأسرى من الخوارج، فأمر بضرب أعناقهم، فقدم فيهم شاب، فقال له: والله يا حجاج لئن كنا أسأنا في الذنب، فما أحسنت في العقوبة، قال: أف لهذه الجيف، أما كان فيهم من يقول مثل هذا، وأمسك عن القتل.
وأتي الحجاج بأسرى، فأمر بقتلهم، فقال له رجل منهم: لا جزاك الله يا حجاج عن السنة خيراً، فإن الله يقول: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء) فهذا قول الله تعالى في كتابه، وقول شاعركم فيما وصف به قومه من مكارم الأخلاق:
وما نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل القلائد
فقال الحجاج: ويحكم أعجزتم أن تخبروني ما أخبرني هذا المنافق، وأمسك عمن بقي.
وقال الهيثم بن عدي: أتي الحجاج بحرورية، فقال لأصحابه: ما تقولون في هذه؟ قالوا: اقتلها أصلح الله الأمير، ونكل بها غيرها، فتبسمت الحرورية فقال لها: لم تبسمت؟ فقالت: لقد كان وزراء أخيك فرعون خيراً من وزرائك يا حجاج، استشارهم في قتل موسى، وقالوا: (أرجه وأخاه) وهؤلاء يأمرونك بتعجيل قتلي، فضحك الحجاج وأطلقها.
وقال الأصمعي: بعث الحجاج في يحيى بن يعمر، فقال له: أنت الذي تقول: إن الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لتأتين بالمخرج مما قلت، أو لأضربن عنقك، قال له ابن يعمر: إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟ قال: نعم، قال: اقرأ قوله تعالى: (وتلك حجتنا أتينها إبراهيم على قومه نرفع درجت من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) فمن أبعد عيسى من إبراهيم أو الحسين؟ وإنما هو ابن ابنة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الحجاج: والله لكأني ما قرأت هذه الآية قط، وولاه قضاء بلده حتى مات.