وكان يجلس إليه خصي لزرياب، قد حج وتنسك، ولزم الجامع، يتحدث في مجلسه، بأخبار زرياب، ويقول: كان أبو الحسن رحمه الله يقول كذا وكذا، فقال له الأعرج: من أبو الحسن هذا؟ قال: زرياب، قال: بلغني أنه كان أخرق الناس.
وسأله مرة أخرى، ما تقول في الكبش الأعرج، أيجوز للذبيحة؟ قال: نعم، والخصي مثل ذلك.
[الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين]
قدم إلى أعرابي كامخ، فأكل منه، فلم يستطبه، وخرج إلى المسجد، والإمام في الصلاة يقرأ: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) ، فقال الأعرابي: والكامخ، لا تنسه، أصلحك الله.
وكان موسى بن عبد الملك قد اغتال نجاح بن سلمة في شراب شربه عنده، فقال المتوكل لأبي العيناء بعد ذلك: ما تقول في نجاح بن سلمة؟ فقال: ما قال الله عز وجل (فوكزه موسى فقضى عليه) فاتصل ذلك بموسى، فعتب عليه وقال له: أردت قتلي، فاعتذر له، وافترقا عن صلح، فلقيه بعد ذلك موسى، فقال له: يا أبا عبد الله قد اصطلحنا، فما بالك لا تأتينا؟ فقال: (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس) فقال موسى: ما أرانا إلا كما كنا.
وقال المتوكل لأبي العيناء: إبراهيم بن نوح النصراني وجد عليك، فقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .
وقال له المتوكل يوماً: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك، فقال: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون) .
وقال له رجل: يا مخنث، فقال: (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه) .
ولقي خالد بن صفوان الفرزدق، وكان الفرزدق قبيحاً، فقال له خالد: يا أبا فراس، ما أنت بالذي (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) فقال له: ولا أنت بالذي قالت الفتاة لأبيها: (يا أبت استئجره إن خير من استئجرت القوى الأمين) .
وبعث المنصر سليمان بن راشد، إلى الموصل، وضم إليه ألف فارس من العجم، وقال له: قد ضممت لك ألف شيطان تذل بهم أهل الأرض، فلما أتى الموصل عاشوا في نواحيها، وقطعوا الطريق، وانتهبوا الأموال، وانتهى خبرهم إلى المنصور، فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان، فكتب إليه في الجواب (وما كفر سليمن ولكن الشيطين كفروا) فضحك المنصور، وعرف عذره، وأنذر له بجيش غيرهم.
وأتي بأعرابي إلى سلطان، وبيده كتاب فيه مكتوب: (هاؤم اقرءوا كتابيه) فقيل له: إنما قال هذا يوم القيامة، فقال: هذا، والله، أشد، فإن يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي فقط، وتركتم حسناتي.
ورأى أبو الضمضم القاضي رجلاً قريباً من مجلسه يسمع نوادره، فرماه بالدواة، وأمر بسجنه، فقال له الكتاب: كيف أكتب قصته في الديوان؟ قال له: اكتب (استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) .
وأتى أعرابي المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فقام يصلي، فما فرغ قال: اللهم ارحمني وارحم محمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولم حجرت واسعاً يا أعرابي؟ وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً يقول في الطواف: اللهم اغفر لأمي، فقلت له: مالك لا تذكر أباك؟ فقال: أبي رجل يحتال لنفسه.
وسمع أعرابي رجلاً يقرأ: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعملاً) فقال: أنا أعرفهم، فقيل: ومن هم؟ قال: الذين يبردون ويأكل غيرهم.
وكان ابن أبي علقمة غزير اللحية كثيرها، وكان ابن والان قليل اللحية، فاجتمعا يوماً، فقال ابن أبي علقمة لابن والان يعرض بقلة لحيته: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) ، فقال ابن والان: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) .
وجلس أعرابي مع معاوية على المائدة، فقدم ثريد كثير الدسم، ففجره الأعرابي بإصبعه إلى جهته، حتى سال الدهن إليه، فقال معاوية: (أخرقتها لتغرق أهلها) فقال الأعرابي: لا، ولكن (سقنه لبلد ميت) .
وقرئ بين يدي أعرابي: (كأنهن الياقوت والمرجان) فقال: هؤلاء خلاف نسائكم العجاف.
وكان رجل شهر بالشراب والمعاصي، فوعظه أحد الناس، وقال له: ما تكون حجتك يوم القيامة؟ قال: خضراء مزججة.
وخطب وكيع بن أبي سويد بخراسان، فقال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أشهر، فقيل له: في ستة أيام، فقال: أردت أن أقولها، فاستقللتها.
وقرأ: ألم غلبت الترك، فقيل له: الروم، فقال: كلهم أعداء، كفانا الله مئونتهم.