وخرج نعيمان وسويبط بن عبد العزيز، في تجارة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان سويبط على الزاد، فجاءه نعيمان في بعض منازلهم، فاستعطفه أن يعطيه من الطعام، فقال له: حتى يجيء أو بكر، فذهب نعيمان إلى قوم من رؤساء الحي الذي هم فيه، فقال لهم: إن لي عبداً، فهل فيكم من يشتريه مني؟ فقالوا: نعم، فقال: إنه ذو لسان، وربما يقول: أنا حر، فتسمعون منه، فلا تغروني وتفسدوا علي غلامي، فقالوا: لا عليك، نحن لا نسمع قوله، فاشتروه، منه بعشرة من الإبل، فقبضها منهم، وجاء بهم إلى سويبط، فقال لهم: هذا هو، فقالوا: قم معنا، قال: وما الخبر؟ قالوا: قد اشتريناك من مولاك، قال: ومن مولاي؟ قالوا: نعيمان، قال: كذب وفجر، فتلكأ، فوضعوا عمامته في عنقه، وذهبوا به، وجاء أبو بكر وطلب سويبطاً، فلم يجده، فأخبر بفعل نعيمان، فذهب هو وأصحابه إلى القوم وخلصوه منهم، وردوا إليهم إبلهم، فلما قوموا أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك هو وأصحابه من ذلك.
وأتى رجل ابن سيرين، فقال: ما تقول في رؤيا رأيتها، كأن لي غنماً، وكنت أعطى فيها ثمانية دراهم في كل رأس، فأبيت أن أبيع، ففتحت عيني، فلم أر شيئاً، فغلقتهما ومددت يدي وقلت: هاتوا أربعة أربعة، فلم أعط شيئاً، فقال ابن سيرين: لعلهم اطلعوا على عيب في الغنم فكرهوها، فقال: يمكن ما ذكرت.
وقيل للقاضي شريح: أيما أطيب الجوزنيق أو اللوزنيق؟ فقال: لا أحكم على غائب.
وقيل لابن سيرين: من أكل سبع رطب على الريق، سبحت في بطنه، فقال: إن كان هذا فينبغي للوزينج إذا أكل أن يصلي التراويح.
وسئل ابن سيرين عن رجل، فقال: توفي البارحة، فلما رأى وجه الرجل السائل، قال له: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) .
وقال رجل للأعمش: كيف بت البارحة؟ فدخل البيت، فأخرج فراشه ومخدته، وفرشهما واضطجع، وقال: هكذا بت البارحة.
وسأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية، فقال: خللها، فقال: إني أخاف ألا ينالها الماء، قال: إن خفت ذلك فانقعها من أول الليل.
وكان الشعبي جالساً مع أصحابه، وإذا بجمال على عاتقه دن، فلما رأى الشعبي وضع الدن عن عاتقه، وقال: رحمك الله، ما اسم امرأة إبليس؟ فقال الشعبي: ذلك نكاح ما شهدته.
وجاءه رجل فقال: كيف كان طالع إبليس؟ فقال: إن المنجمين لا يعرفون طالع مولود حتى يعرف وقت ولادته، فسل عن الوقت الذي ولد فيه وتجيء حتى أعرفك بطالعه.
وجاءه رجل فقال: تزوجت امرأة وهي عرجاء، أفلي أن أردها بالعيب؟ قال: إن كنت تريد أن تسابق عليها فلك ردها.
وجاءه رجل فقال: أصاب ثوبي البلل، قال: اغسله، قال: بماذا أعزك الله؟ قال: بالخل.
واختصم الطفاوة مع بني راسب، في ابن يدعيه الفريقان، إلى زياد، وأقاموا جميعاً البينة، فأشكل على زياد أمره، فقال سعد من بني عمرو بن يربوع: أصلح الله الأمير ولني الحكم بينهم، قال: وما عندك في ذلك؟ قال: أرى أن يلقى في النهر، فإن رسب فهو من بني راسب، وإن طفا فهو من بني الطفاوة، فأخذ زياد نعله وقام، وغلبه الضحك، ثم أرسل إليه، ألم أنهك عن المزاح في مجلسي، قال: أصلح الله الأمير حضرني أمر خفت أن أنساه، فضحك زياد، وقال: لا تعودن.
وجاء رجل إلى ثمامة بن أشرس، أن يسلفه ويؤخره. فقال له: هذه حاجتان، فأنا أقضي لك إحداهما، قال: قد رضيت، قال: فأنا أؤخرك ما شئت ولا أسلفك.
وسأل رجل عمرو بن قيس عن حصاة المسجد يجدها الإنسان في ثوبه أو خفه أو جبهته، فقال له: ارم بها، فقال الرجل، زعموا أنها تصيح حتى ترد إلى المسجد، قال: دعها تصيح حتى ينشق حلقها، قال الرجل: أولها حلق؟ قال: فمن أين تصيح إذن؟
[الباب الثاني في المضحكات الحسنة، الخفيفة على الألسنة]
صرخ ديك في شجرة، فسمعه ثعلب، فأتى إليه، فقال: أبا المنذر، أذنت؟ قال: نعم، قال: انزل نصلي جماعة، قال الديك: أيقظ الإمام، فتخيل للثعلب أنه ديك آخر، فرأى كلباً له ذنب أكبر من كلحته، فهرب، ولم يرد رأسه، فقال له الديك: يفوت الوقت، قال: انتقض الوضوء، أجدده، وأرجع إن شاء الله.
وأخرج راع غنماً للرعي، فجاء مع الليل، والعصا على عنقه من دون غنم، فقيل له: أين الغنم؟ قال: لا إله إلا الله، وأنا أقول: أي شيء نسيت في الجبل؟