للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبات رجل عند نحوي، فأكل عنده طعاماً وفاكهة كثيرة، فلما كان في نصف الليل تحركت عليه بطنه، فصاح على النحوي: يا سيدي، إني أريد أن أتروح، قال: فتنحنح النحوي مراراً، ثم صاح: يا ميمونة مرار كثيرة، حتى استجابت له بعد حين، فقال: أزيلي الكرى عن مقلتيك، وافتحي عينيك، والسي ثوبيك، وقومي على قدميك، واضربي الزند، وأشعلي ناراً، وأوقدي سراجاً، وانهضي إلى البئر، فأدلي فيه الدلو، وأخرجي منه ماء، واجعليه في قدح، وألقيه في المستراح؛ فإن ضيفنا يريد أن يتروح، فلم يتم النحوي كلامه، إلا والرجل قد سلح في السرير، فقال: يا سيدي إن هذا الشغل الذي كلفت به خادمك إن يسر الله فيه، ربما يتهيأ في سنة كاملة، وأنا لا أكلف خادمك أكثر من شغل ساعة، يا ميمونة: اقبلي واغسلي السرير؛ فقد سلحت فيه.

وقال الأصمعي: دخلت مسجداً لأصلي فيه، فوجدت رجلاً وهو يصلي وقد رفع رجله، ومدها إلى خلفه، وجعل يده في السارية يمسك بها، فوقفت حتى فرغ من صلاته، وقلت له: لم رفعت رجلك، ومددتها إلى خلفك؟ قال: كنت أتهم بها نجاسة، فأردت ألا أصلي بها.

وكان بقرطبة رجل يعبر المنامات، وكان لا حسن فيها شيئاً، فأتته امرأة وقالت له: يا سيدي، كنت أرى في المنام، أني جالسة وفي يدي قيدوم، قال لها، زوجك يقدم، قالت له: يا سيدي، كيف يقدم زوجي وهو ميت؟ قال: يا حمقاء القيدوم يسوقه، ولو كان ميتاً منذ ألف سنة.

وجاءت امرأة إلى لب كاتب الشمس، فقالت له: يا سيدي، أين يوجد ابن دحنين الذي يفسر المنام؟ فنظر إليها، وفي يدها دجاجة وسلة بيض، فقال لها: أنا أفسر المنام أحسن منه، وأقول لك خيراً، فقصي علي ما رأيت، فقالت له: رأيت كذا وكذا، فقال لها: هذه منامة مليحة ينال بها كذا وكذا، ويفعل بك زوجك كذا وكذا، فدفعت إليه الدجاجة والبيض وانصرفت، فأخبر ابن دحنين بذلك، فجاء إليه ولعنه، وأراد أن يشتكي به للقاضي.

وجاء رجلان إلى قاض يختصمان، فكان أحدهما يدعي على الآخر حقاً يزعم أنه من ميراث أبيه، فقال له الآخر: أعز الله القاضي، أنا رجل من بعض قرابته قال القاضي: فمن أي وجه قرابتك به حتى أعرف أمركما وأحكم بينكما؟ قال: كانت أم أبيه، جدها لأمها أخو بنت عمة خالي أخي بنت ابن ربيبتي، قال القاضي: يا سفلة، هذه أخلاط شربة، ارفعوها إلى العشاب؛ حتى يميزها خلطاً خلطاً.

وقال رجل لآخر: ما فعل أبوك بحماره؟ قال: باعه، قال: لم قلت باعه؟ قال له: ولم قلت أنت بحماره؟ فقال: للباء الجارة، قال: ولم تكون باؤك تخفض، وبائي لا تخفض؟ ومثل هذا ما يحكى أن رجلاً لقي آخر. فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من عند أهلونا، فتعجب السائل من فصاحته، ثم قال له: قد علمت من أين أخذت هذا، من قوله تعالى: (شغلتنا أموالنا وأهلونا) .

وقال رجل لبياع الخوخ: كيف تبيع الخوخ يا أقرع؟ قال: من كلامك الحسن، أختار لك بنوجاً.

وقال فقيه لعبيد بن طرس: من أين تأكل؟ قال: من الكون يا كبة، ولا من برزون.

وقال الأصمعي: كان بين رجلين عبد، فقام أحدهما يضربه، فقال له شريكه: ما تصنع؟ قال: اضرب حصتي منه، فقال له: وأنا أضرب حصتي، فقاما يضربانه فسلح عليهما، وقال: اقتسما هذا على قدر حصتكما.

وقال المتوكل يوماً لجلسائه: أتعلمون عنت المسلمين على عثمان بن عفان؟ فقال أحدهم: نعم يا أمير المؤمنين، لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر على المنبر دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ولي عمر قام دون مقام أبي بكر بمرقاة، فلما ولي عثمان صعد ذروة المنبر فقعد مقعد النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكر ذلك المسلمون عليه، فقال عبادة: يا أمير المؤمنين، ما أحد أعظم منة عليك من عثمان، قال: وكيف ذلك؟ قال: صعد ذروة المنبر فلو أنه كلما ولي خليفة نزل عن مقام من تقدم لكنت تخطب علينا من بيتك، فضحك المتوكل حتى استلقى، وضحك من حضر.

<<  <   >  >>