وقال بعضهم: مثل الحريص في طلب الدنيا، كمثل رجل يصلي خلف الإمام، وهو مستعجل لحاجته، فهو يسبق الإمام بالركوع والسجود، استعجالاً للفراغ، ولا ينفعه ذلك ولا يخرجه من الصلاة إلا سلام الإمام.
وحكى الأنماطي أن المتوكل على الله، كان طلب من محمود الوراق جارية مغنية، وأعطاه فيها عشرة آلاف دينار، فأبى، فلما مات محمود اشتراها بخمسة آلاف، وقال لها: كنا أعطينا فيك لمولاك عشرة آلاف. وقد اشتريناك بخمسة آلاف، قالت: يا أمير المؤمنين، إن كانت الخلفاء تتربص بلذاتها المواريث، فنشتري بأرخص مما اشتريت.
وحكى إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: لاعب هارون الرشيد جارية من جواريه الشطرنج على إمرة مطاعة. فغلبته، فقال: مريم شئت، فقالت: تقوم إلى السرير، فقام، ثم لاعبها فغلبته فقالت: قم لميعادك، قال: لا أقدر على ذلك، قالت: فاكتب لي كتاباً أن آخذك به متى شئت، قال: افعلي، فدعت بدواة وقرطاس، ثم كتبت: هذا كتاب فلانة على مولاها أمير المؤمنين، أن عليه فرداً آخذه به متى شئت، وأنى شئت من ليل أو نهار، وكان على رأسها وصيفة لها، فقالت لها: يا سيدتي، إنك لا تأمنين الحدثان، فزيدي في كتابك، ومن قام بهذا الذكر فهو ولي ما فيه، فضحك الرشيد حتى استلقى على فراشه، واستظرفها، وأمر أن تنزل مقصورة ويجرى عليها رزق سنين، وشغف بها، ويقال: أنها مراجل، أم المأمون.
وارتفع رجل وامرأته إلى بعض القضاة، وكانت متنقبة، فأخذ القاضي معها، ففطن الرجل لذلك، فقال: أيها القاضي، قد شككت أنها زوجتي، فمرها تسفر عن وجهها، فوقع ذلك على اختيار القاضي، وقال: اكشفي عن وجهك، فلما كشفت عن وجهها، رآها قبيحة، فقال: أخزاكن الله، تجيء إحداكن بعيني مظلومة، فإذا كشفت، كشفت عن وجه ظالمة.
واختصم رجلان عند قاضي في خصومة بينهما، فأهدى إليه أحدهما منارة، والآخر بغلة، فلما وقفا للخصومة، رأى مهدي المنارة القاضي يميل عليه في الحكومة، فقال: أعز الله القاضي، إن حقي أشهر من منارة، وردد ذلك مراراً، فقال: يا هذا، إن البغلة كسرت المنارة برجلها.
وجاءت امرأة إلى موثق يشهد عليها في عقد، فوجد اسمها جميلة، فلما نظر إليها وجدها قبيحة، فرمى العقد من يده وقال: لا أشهد بالزور؛ إنما أنت قبيحة.
وكان بإشبيلية فقيه لوذعي، فجلس يوماً مع طلبته في نزهة، وبين أيديهم طعام، فيه بيض، فتكلم بعض القوم بكلام فيه ضعف، فأخذ الفقيه فص بيضة، فألقاه قدامه، ففطن القوم وضحكوا.
وودع رجل رجلاً كان في قلبه منه شيء، فقال له: امض في ستر من حفظ الله، وحجاب من كلاءته، ففطن الآخر، وقال الآخر: رفع الله مكانك، وشد ظهرك، منظوراً إليك، أراد أن يكون مصلوباً.
ووجه المبرد غلامه في حاجة، وقال له بحضرة الناس: إن رأيته، فلا تقل له، وإن لم تره، فقل له، فذهب الغلام ورجع، وقال له: لم أره فقلت له، فجاءه، فلم يجيء، فسئل الغلام عن معنى هذا، فقال: بعثني إلى غلام، وقال لي: إن رأيت مولاك، فلا تقل له، وإن لم تر مولاه، فقل له، فذهبت فلم أر مولاه، فقلت للغلام ما أمرني، فجاء مولاه، فلم يجيء الغلام.
وأرسل أعرابي غلامه إلى امرأة يواعدها موضعاً، يأتيها فيه، فذهب الغلام، وأبلغها الرسالة، فكرهت المرأة أن تقول للغلام ما بينهما، فقالت له: والله لئن أخذت أذنيك لأعركهما عركاً، وأشدك إلى تلك الشجرة، حتى تغش عليك العتمة، فانصرف الغلام إلى مولاه، وحكى له قولها، فعلم أنها واعدته تحت الشجرة، وقت العتمة.
وأراد أحد تلامذة أبي حنيفة أن يتزوج، وكان فقيراً، فلم يأخذه أحد لفقره، فشكى ذلك لأبي حنيفة، فقال له: ضع يدك على ذكرك، وسر واخطب، فإن سألك الناس عن حالك، وما عندك فابعثه إلي، ففعل الطالب ما أمره، فجاء شخص إلى أبي حنيفة، فسأله عن حال ذلك التلميذ، وهل عنده شيء أم لا؟ فقال أبو حنيفة: رأيت بيده سلعة، إذا أهلكت عليه، ثمنها خمسمائة دينار، فأخذوه فلم يجدوا عنده شيئاً.
ومر طفيلي بقوم يأكلون، فقال: السلام عليكم معشر اللئام، قالوا: لا، والله، إلا كرام، فجلس، وقال: اللهم اجعلهم من الصادقين، واجعلني من الكاذبين.
وخطر طفيلي على قوم يأكلون، فجلس يأكل معهم، فقالوا له: هل تعرف منا أحداً؟ قال: نعم، قالوا: من هو؟ قال: هذا، وأشار إلى الخبز.