ومر طفيلي بقوم يأكلون، فقال لهم: ما تأكلون؟ فقالواً: سماً، قال: لا خير في الحياة بعدكم، وجعل يأكل معهم.
وقال بعضهم: كانت لي حاجة عند بعض الحكام، فلم يقضها لي، فجلست في طريقه، فكل من يأتي إليه أصلح بينهم بدراهمي، حتى قطعت عليه معيشته من الناس، فقيل له عني، فبعث إلي، وقضى حاجتي.
وكان آخر له محفظة، لها طاقتان، طاقة نظيفة، والأخرى غير نظيفة، وعنده دراهم طيبة، ودراهم رديئة، فإذا أراد شراء اللحم، فإن قطع بائع اللحم له ما يرضيه، جعله في الطاقة النظيفة، وأعطى من الدراهم الطيبة، وإن كان غير ذلك جعله في الطاقة الأخرى، وأعطى من الدراهم الرديئة، فإن رد الدراهم، رد له هو اللحم، وقد سوده.
واشترى رجل ثنا [هكذا] ، وأنفق عليه مثل ثمنه، فوجده مالحاً، لا يستطيع أحد أكله، فذهب به لبائعه، ورغب إليه في رد ثمنه، ويخسر ما ينفق عليه، فأبى من ذلك، فجلس بالقرب منه، فكل من يجيء، ليشتري منه يقول له: إياك أن تشتري منه، وإن شئت فذق هذا، فإنه منه، فلم يشتر أحد منه، فأعطاه ثمنه وما أنفق عليه، وانصرف عنه.
وكان لنصراني قرد، فأعطاه دجاجة ينتفها، فأخذتها حدأة من بين يديه، فبقي القرد خائفاً من سيده، فجرح نفسه، ولطخ جسده وبقي ملقى على قفاه بالأرض، كأنه ميت، فلما أكلت الحدأة الدجاجة، رجعت تتشوف، فرأته على تلك الحال، فنزلت إليه لتأخذه، فقبض عليها، وقطع رأسها ونتفها، ودفعها إلى سيده، وقد كان ينظر فعله.
وأودع رجل عند آخر جرة من زيت، وقال له: أسلفني دراهم حتى نبيعها، ونعطيك، ففعل، فلم يرجع إليه بعد، فأراد بيعها، فوجدها ملأى، وعلى وجهها شيء يسير من الزيت.
ومن أبو العيناء يوماً بدرب بشر، فقال له غلامه: إن بالدرب جملاً سميناً، وليس معه أحد، فقال: خذه، فأخذه وسار به إلى منزله، فلما كان من الغد، جاءته رقعة من بعض الرؤساء الساكنين في ذلك الدرب، مكتوب فيها: جعلك فداك، ضاع لنا بالأمس جمل، فأخبرني بعض صبيان الزقاق أنك أخذته، فاردده متفضلاً، فكتب إليه: سبحان الله، مشايخ عندنا يزعمون أنك فطيم فلم أقبل قولهم، ولا صدقتهم، وتصدق أنت صبياً من صبيان دربك؟ وزاحم أبا العيناء رجل بالجسر، راكب على حمار، فضرب بيده على الحمار، وقال: يا رجل، قل للحمار الذي عليك: يقول: الطريق.
وولد لأبي العيناء ولد، فأتى ابن مكرم، فسلم عليه، ووضع حجراً بين يديه، وانصرف، فأحس به، فقال: من أدخل هذا الحجر، قيل له: ابن مكرم، قال: لعنة الله، إنما عرض بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر".
ومر أبو العيناء بموسى بن المتوكل، فقال له: انزل على ما حضر، فقدم له صحفة بلحم، وخبزاً، فأدخل أبو العيناء يده، فقلبها، فما وقعت يده إلا على عظم، فقال: يا سيدي، هذه صحفة أو قبر؟ فضحك موسى، وأمر له بإحضار شيء آخر.
ومر ببشار بن برد قوم، وهم يسرعون بجنازة، فقال: ما أظنهم إلا سرقوه، فيخافون أن يؤخذ منهم.
ومرت امرأة من الأعراب بقوم من بني نمير، فلحظوها بأبصارهم، فقالت: والله، يا بني نمير، ما أخذتم بواحدة من اثنتين، لا بقول الله سبحانه، ولا بقول الشاعر، أرادت بقول الله سبحانه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم) ، وأرادت بقول الشاعر:
فغض الطرف؛ إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
ومرت امرأة ماجنة، برجل، وهو يأكل، فقالت له: أعرس في بطنك؟ نرى لحيتك ترقص.
وأتى رجل إلى خاطبة فقال لها: أريد امرأة ترضع ابني، فجعلت تعرض عليه كل ما عندها، وهو لا يرضى منهن شيئاً، فقالت له: عندي جارية بكر مليحة ظريفة، أتريدها ترضع ابنك؟ قال: نعم، قالت له: فأنت تريدها لنفسك لا لابنك.
وقال بعضهم: إن قوماً من المسلمين غزوا قوماً من الروم، فكان بين من قتل إخوة وأمهم حاضرة، فكرهت الحياة بعدهم، فقالت للذي صارت إليه: أرأيتك إن علمتك شيئاً لا يقطع فيك الحديد به، أتخلي سبيلي؟ قال: وكيف نعلم ذلك؟ فقالت له: أول ما تجربه في، قال: نعم، فجلست، وقالت له: اضرب عنقي، وبقيت تحرك شفتيها، كأنها تقول شيئاً، فضرب بالسيف، فقطع رأسها، فعلم أن ذلك كان حيلة منها.