ودخل شريك القاضي على بعض العمال، فأخذ العمال بيده، ثم قال: يا غلام جئنا بعود، فلم يدر الغلام أي عود أراد، فعاد الغلام، ومعه عود الغناء، فلما رآه العامل لم يخجل، ولم يتغير، وقال: أخذنا رجلاً معه هذا، ما ترى في كسره؟ فأفتاه بكسره، فقال: هات لنا بخور! وكان لجعفر بن عبد الواحد صديق، يوجه له كل يوم سلة برطب مع غلام له، فقيل له: إن الغلام يأخذ من السلة، فاختمها، فختمها، فوجد السلة قد فتحت، فقال لصاحبه: اجعل فيها زنبورين قبل أن تختمها فكان إذا فتحها وطار الزنبوران علم أنها لم تفتح.
وجاء فتيان إلى نباذ، فشربوا عنده نبيذاً، ثم قالوا: ما عندنا شيء فخذ منا رهناً، فقال: وما الرهن؟ قالوا: تأخذ من كل واحد منا صفعة، ففعل، فلما كان بعد أيام جاءوا إليه، فقالوا له: خذ حقك ورد الرهن، فرغب إليهم أن يتركوه، فلم يفعلوا، فصفعوه وضحك أهل سوقه عليه.
وكان زياد بن عبد الله الحارثي على شرطة المدينة، وكان بخيلاً، فدعا أشعب في رمضان يفطر مع جماعة عنده، فقدم إليهم معقودة، فجعل أشعب يمعن فيها وزياد يلمحه، فلما فرغ من الأكل، قال زياد: ما أظن لأهل السجن إماماً يصلي بهم في هذا الشهر، فليصل بهم أشعب، فقال أشعب: أو غير ذلك، أصلح الله الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: أحلف ألا آكل معقودة أبداً، فخجل زياد وتغافل عنه.
وكان لزياد هذا كاتب، فأهدى له طعاماً، قد تفنن فيه، فوافاه، وقد تغدى، فغضب زياد، وقال: يبعث أحدكم الشيء في غير محله، ثم قال: ادع لي المساكين يأكلونه، فبعث إليهم حرسياً يدعوهم، فقال له رسول الكاتب: أصلح الله الأمير: إن أمرت أن يكشف لك عنه حتى تنظر إليه قال: اكشفوا عنه، فإذا به دجاج وسمك وحلواء، فأعجبه ذلك، وقالوا: ارفعوه، ثم جاء المساكين، فقال: اضربوهم عشرة عشرة؛ فإنه بلغني أنهم يفسون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبولون على بابه، فرغب فيهم، فصرفهم.
وأتى طفيلي دار عرس، فمنع من الدخول، فذهب إلى بعض أصحاب الزجاج، فرهن عنده رهناً، وأخذ منه أقداحاً، وقال للموكل بالباب: افتح حتى أدخل هذه الأقداح التي طلبوها، ففتح له ودخل، فأكل وشرب، ثم أخذ الأقداح وردها إلى صاحبها، وقال: لم يرضوها.
وجاء طفيلي آخر إلى باب عرس، فمنع من الدخول، فأخذ إحدى نعليه، وجعلها في كمه، وعلق الآخر، وجاء إلى الموكل بالباب، كالمستعجل، وقال: أخذت فردة تعلي، وتركت الأخرى، فتفضل بالله إخراجها، فقال له البواب: أنا مكلف بهذا الباب، ولن أتركه، فادخل أنت، وخذ متاعك، فدخل وأكل، وخرج.
واجتمع ثلاثة من الطفيليين، فلم يظفروا بأكل، ولا قدروا عليه، فاجتمع رأيهم على أن يأتوا صاحب الشواء والرقاق، ولا يكون إقبالهم في دفعة؛ لئلا يشعر بهم، فتقدم أحدهم، فأخذ شواء ورقاقاً، ودخل يأكل، فلما أمعن، أقبل الثاني، فأخذ مثل الأول، وقعد ناحية يأكل، ثم أقبل الثالث، فأخذ مثلها، فلما قارب أن يخلص أكله، قام الأول يريد الخروج، فقال له الشواء: هات ما عليك، قال: دفعت لك، قال: متى؟ قال له الثاني: حين أعيتك أنا، قال له: ومتى أيضاً أعطيتني أنت؟ فقام الثالث إليه حنقاً وهو يقول: أتراك، يا ابن الفاعلة، تنكرني كما أنكرت هذين؟ فلما سمع الشواء كلامهم على أنهم طفيليون، فترك سبيلهم.
وقال بعضهم: نزل رجل على ديراني بالشام، فقدم إليه أربعة أرغفة، وذهب ليأتيه بعدس، فلما جاءه به وجده قد أتى على الأرغفة، فوضع العدس بين يديه، وذهب ليزيده رغيفاً؛ لكي يأكل به العدس، فلما جاء به وجده قد أكل العدس، فوضع الرغيف وذهب، فجاءه بصحفة أخرى من عدس، فوجده قد أكل الرغيف، فما زال كذلك حتى أتى على وظيف تسعة أنفس، فلما فرغ سأله الديراني عن حاله ومقصده، قال: أريد الأردن؛ فإنه بلغني أن فيه طبيباً جيداً، وأنا في هذه المدة أصابني سوء هضم، وقلة شهوة الطعام، فقال له الديراني: عسى بالله، إذا رجعت، وقد تطببت أن تأخذ على غير هذا الطريق؛ فإن هذا الدير لقوم ضعفاء، فخجل الرجل، وقال: نعم.
وكان بعض الناس يتخدم ليونس بن أسباط، فانقطع عنه مدة، فقال يونس لبعض من حضره: ما فعل فلان؟ فقال: لا أدري، ولكن لو مات ما كنت تفعل معه؟ قال: أكفنه وأقبره، قال: فإنه عريان، فضحك، وأمر له بكسوة.