وقال سهل بن سعد الساعدي: دخلت على جميل بمصر أعوده في مرضه الذي مات منه، فقال: يا ابن سعد، ما تقول في رجل لم يزن قط، ولم يشرب خمراً قط، ولم يقتل نفساً قط، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فقلت: أظنه قد نجا، فمن هذا الرجل؟ قال: إني أرجو أن أكونه، فتضاحكت وقلت: أبعد عشرين سنة تأتي بثينة وتقول فيها الأشعار؟ والله، ما سلمت من قول الناس، قال: إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، فلا نالتني شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن كنت حدثت نفسي بحرام قط، فضلاً عما وراء ذلك.
ويروى أن امرأة معن بن زائدة عاتبت معناً في يزيد بن مزيد، وقالت له: إنه لتقدمه وتؤخر بنيك، ولو رفعتهم لارتفعوا، فقال لها معن: لم تبعد رحمة ولي حكم الوالد، إذ كنت عمه، وبعد، فإنهم أعلق بقلبي وأدنى من نفسي، بقدر ما توجبه الولادة، ولكني لا أجد عندهم ما أجده عنده، يا غلام: ادع جساساً وعبد الله وزائدة، فلم يلبث أن جاءوا في القلائد والغلائل المطيبة والنعال السندية، بعد هدأه من الليل فسلموا وجلسوا، وقال: يا غلام ادع يزيد، وقد أسبل ستراً بينه وبين المرأة، وإذا بيزيد قد دخل عجلاً، عليه السلاح كله، ووضع رمحه بباب المجلس، ثم دخل يتبختر، فلما رآه معن قال: ما هذه الهيئة يا أبا الزبير؟ قال: جاءني رسول الأمير، فسبق لنفسي أنه يريدني لوجه، وقلت: إن كان ذلك مضيت، ولم أعرج، وإن كان خلافه فنزع هذه الآلة أيسر الخطب، قال له معن: وريت بك زندي، انصرف في حفظ الله، فقالت امرأة معن: قد بان لي اختيارك.
ولما بعث عبد الملك الحجاج والياً على العراق، أتى الكوفة، وصعد المنبر، وهو متلثم متنكب قوسه، فقال: يا غلام، اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين، سلام عليكم، فلم يقل أحد شيئاً، فقال الحجاج: اسكت، يا غلام، هذا أدب ابن بهية، والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب، أو لتستقيمن، اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين، فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم، لم يبق أحد في المجلس إلا وقال: وعلى أمير المؤمنين السلام، ثم نزل.
وقال الشيباني: كان رجل من أهل الكوفة قد بلغه عن رجل من عمال السلطان أنه يعرض صنيعة له بواسط للبيع، في مغرم لزمه للخليفة، فحمل وكيلاً له على بغل، وأعطاه خرجاً بدنانير، وقال له: اذهب إلى واسط؛ فاشتر هذه الصنيعة المعروضة، فلما خرج عن البيوت لحق به أعرابي، على حمار له، معه قوس وكنانة، فقال له: إلى أين تتوجه؟ قال: إلى واسط، قال: فهل لك في الصحبة؟ قال: نعم، فسارا حتى رأوا ظباء عنت لهما، فقال الأعرابي: أي الظباء أحب إليك، المتقدم منها أم المتأخر فأذكيه لك؟ قال: المتقدم، فرماه بالسهم فاقتضه، فاشتويا وأكلا، واغتبط الرجل بصحبته، ثم عرض لهما سرب قطاة، فقال: أيها تريد؟ فأشار إلى واحدة منها، فرماها فلم يخطئها ثم اشتويا وأكلا، فلما انقضى أكلهما، فجعل الأعرابي سهماً على القوس، ثم قال: أين تريد أن أصيبك؟ قال: اتق الله، واحفظ ذمام الصحبة، قال: لابد من ذلك، قال: اتق الله واستبقني، ودونك البغل والخرج فإنه مترع مالاً، قال: فاخلع ثيابك، فانسلخ من ثيابه ثوباً ثوباً، حتى بقي مجرداً فقال له: اخلع خفيك، قال له: اتق الله، ودع لي الخفين؛ فإن الرمضاء تحرق قدمي، قال: لابد من ذلك، قال: فدونك الخف فاخلعه، فوضع القوس وتناول الخف، وذكر الرجل خنجراً كان معه في الخف الآخر، فاستخرجه، فضرب به صدره، فشقه إلى عانته وقال: الاستقصاء فرقة، فذهبت مثلاً.