للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتب إلى صاحب بيت المال في قبض مال السفاتج والاحتساب به حملا لأحمد بن محمد بن مدبر، ودعا بالأسفاط، فجعل يقلبها صنفا صنفا، ويستحسنها، ويرد شدها عليها، حتى مر به سفط سفاتج ومناديل صغار،؛ فتناول منها منديلا صغيرا، فجعله بين يديه، ودعا بغلام، فدفع الأسفاط إليه، وأمره أن يمضي بها، ويسلمها إلى خازن المتوكل؛ ويأمره بعرضها عليه وتعريفه أن عامل مصر حملها هدية للخليفة.

وروى محمد بن جرير الطبري في كتاب "التاريخ" عن الفضل ابن إسحاق الهاشمي أن إبراهيم بن جبريل خرج مع الفضل بن يحيى البرمكي إلى خراسان، وهو كاره للخروج، فأحفظ الفضل ذلك عليه.

قال إبراهيم: فدعاني يوما بعد أن أغفلني حينا، فدخلت إليه، فلما وقفت بين يديه، سلمت فما رد السلام، فقلت في نفسي هذا أول الشر، وكان مضجعا فاستوى جالساً، ثم قال لي: ليفرخ روعك يا إبراهيم، فإن قدرتي عليك منعتني منك، ثم عقد لي على سجستان. فلما حملت خراجها وهبه لي وزادني خمسمائة ألف درهم.

وقال: ثم أنفذني إلى كابل فافتتحتها، وغنمت منها ما لا يوصف فما أخذ مني درهماً (واحداً) منه، ثم استعملني على شرطته. قال إبراهيم: فأحصيت مما صار إلي في الشرطة وغيرها مما كان إلي من الأعمال سبعة آلاف درهم. قال: فاجتمع له عندي من مال الخراج أربعة آلاف درهم.

فلما قدمت بغداد، وبنيت داري، استزرته: وسألته أن يشرفني بدخول منزلي والتحرم بطعامي، وليرى أثر نعمته علي، فأجابني إلى ذلك فأعددت له الهدايا والطرف، وآنية الذهب والفضة، وجعلت الأربعة الآلاف ألف في ناحية من الدار فلما جاءني وجلس قدمت إليه ما أعددته له من الهدايا فأبى أن يقبل منها شيئا وقال لي: "لم آتك لأسلبك" فقلت: إنما هي نعمتك أيها الأمير، قال: ولك عندنا مزيد. فلم يأخذ من جميع تلك الهدايا إلا سوطا سجزيا. وقال: هذا من آلة الفرسان؛ فقلت له، وأومأت إلى المال: هذا مال الخراج فقال: هو لك! فأعدت عليه القول، فقال: أما لك بيت يسعه! وسوغه لي وانصرف.

الباب التاسع

في ذكر شيء من أشعار من قصرت يده عن الهدية فاقتصر على الدعاء واعتمد على الشكر والثناء

حدثنا علي بن حيان الأهوازي قال: قال لي الحسن بن دعبل: وافى النوروز في بعض السنين وما عندي شيء أرتضيه هدية لمحمد بن واصل التميمي، فكتبت إليه:

الجود يغرق في المنهل من ديمك ... والمجد مفتخر بالغر من شيمك

أما ترى غرة النوروز مشرقة ... كأنها بعض ما تسديه من كرمك

يوم جديد وعز أنت لابسه ... فافخر بمجدك إن الملك في ذممك

تذل في عزك الأيام صاغرة ... وتغرق الراسيات الشم في همك

الدهر طوعك، والدنيا بأجمعها ... في راحتيك، وأهل الأرض في نعمك

هذي هدية عبد أنت ملبسه ... ثوب الغنى فاقبل الميسور من خدمك

فلما قرأ الأبيات استخفه الطرب، وحركته الأريحية، فوقع تحت كل بيت منها ألف درهم، ودابة وخلعة، وأحضرني جميع ذلك، فأقمت يومي عنده، وانصرفت بما ذكرت.

وحدثنا الإيذجي القاضي: أنه كتب إلى بعض الرؤساء في يوم مهرجان هذين البيتين:

وافق المهرجان والعيد مني ... رقة الحال وهو داء الكرام

فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام

فوقع على الرقعة: "هذا القول يستحسن من المساكين، وجوابه أن تقول: صنع الله لك". فلم تمض عليه إلا أيام يسيرة حتى اجتاحته جائحة من السلطان أتت على ماله، وألجأته إلى سؤال الناس.

وحدثنا ابن أبي خالد قال: قال أبو علي البصير كتبت إلى الفتح ابن خاقان في يوم مهرجان:

إني جعلت هديتي ... في المهرجان إليك شكري

لما تعذر واجب ... فسح التعذر فيه عذري

فإذا أجزت على اسم من ... وافت هديته ببر

فأدر على اسمي دارة ... واكتب عليه طليح فقر

فضحك وقال: وقعوا على اسمه مائتي دينار وخلعة.

قال أبو هفان: كتبت إلى بعض إخواني في يوم النوروز:

دخلت السوق أبتاع ... وأستطرف ما أهدي

فما استطرفت للإهدا ... ء إلا طرف الحمد

إذا نحن مدحناك ... قضينا حرمة المجد

ونشر المدح في مثل ... ك أذكى من ثنا الند

وكتب بعض الشعراء، وكان ممتحنا إلى رجل جليل في يوم نوروز:

<<  <   >  >>