مدائح تبقى بعد ما نفد الدهر ... وتبهي بها الأيام ما اتصل العمر
شكرت لإسماعيل حسن بلاه ... وأفضل ما تجزى به النعم الشكر
* * * أخبرنا أبو أحمد عن أبيه عن أحمد بن أبى طاهر عن ابن هفان قال: دخلت على سعيد بن حميد في يوم نيروز وهو مستعد يكتب على إخوانه فقرأت عليه كتابك وشعرك إلى أبى الصقر -يعنى الكتاب والشعر الذي تقدم- فكتب وأنا حاضر على الحسن بم مخلد: أيها السيد النجيب عشت أطوال الأعمار في زيادة من النعم موصولة بقرائنها من الشكر لا تقضى حق نعمة تتجدد لك أخرى ولا يمر بك يوم إلا كان موفيا على ما قبله مقصرا عما بعده. قد تصفحت أحوال الأتباع الذين تجب عليهم الهدايا على السادة في هذا اليوم والتمست التأسي بهم في الإهداء إليك وإن قصرت الحال عن الواجب لك فرأيتني إن أهديت نفسي فهي لك لا حظ فيها لغيرك ورميت بطرفي على كرائم مالي فوجدتها منك فكنت إن أهديت شيئا كمهدي مالك إليك ولم يزد على أن نبه على نعمتك واقتضى نفسه بشكرك وفرغت إلى مودتي وشكري فوجدتها لك خالصتين قديمتين غير مستجدتين وإني إن جعلتهما هديتي لم أجدد لهذا اليوم برا ولا لطفا ولم أقس منزلة شكري بمزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصرا عن الحق زائدة على ما لم تبلغه الطاقة ولم أملك سبيلا ألتمس بها ما اعتد به في مجازاتك غلا وجدت فضلك قد سبقني غليها فقدم لك الحق وأحرز لك السبق فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية غليك تفي ما يجب لك والعذر في العجز عن برك برا أتوصل به إليك:
إن أهد نفسي فهو مالكها ... وله أصون كرائم الذخر
أو أهد مالا فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر
أو أهد شكري فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر
والشمس تستغني إذا طلعت ... أن تستضاء بسنة البدر
ثم قرأه على فقلت: أبا عثمان الساعة قرأت عليك لابن أبى طاهر هذه المعاني بأعيانها قال: والساعة عملتها وليس بيننا حشمة. ولا اعرف لها تين الرسالتين في هذا الباب نظيرا في رقة معانيهما وحسن تخريجهما. ورسالة سعيد بن حميد أكثرهما معاني.
* * * وأول من افتتح المكاتبة في التهاني بالنيروز والمهرجان أحمد بن يوسف, أهدى إلى المأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه. وكتب معها هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد للسادة وقد قلت:
على العبد حق فهو لا شك فاعله ... وإن عظم المولى وجلت فضائله
ألم ترنا نهدى إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله
ولو كان يهدى للقليل بقدره ... لقصر عل البحر عنك وناهله
ولكننا نهدى إلى من نجله ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله
فأخذ سعيد بن حميد هذه المعاني وكتب إلى لبن صالح بن يزداد: النفس لك والمال منك والرجاء موقوف عليك والأمر مصروف إليك فما عسانا أن نهدى لك في هذا اليوم وهو يوم قد شملت فيه العادة للأتباع الأولياء بإهدائهم على السادة العظماء وكرهنا أن نخليه من سننه فنكون من المقصرين أو ندعى أن في وسعنا ما يفي بحقك علينا فنكون من الكاذبين فاقتصرنا على هدية تقضى بعض الحق ونقوم عندك مقام أجمل البر وهي الثناء الجميل والدعاء الحسن فقلت: لا زلت أيها السيد الكريم دائم السرور والعطية في أتم العافية وأعلى منازل الكرامة تمر بك الأيام المفرحة والأعياد الصالحة فتخلقها وأنت جديد.
فأول كلامه مأخوذ من قول المعلى بن أيوب للمعتصم: النفس لأمير المؤمنين والمال منه وليس فيما أوجبه الحق نقيصة ولا على أحد فيه غضاضة, وباقيه من كلام أحمد بن يوسف, والدعاء الذي في آخره لعلى بن عبيدة الريحاني لم يزد سعيد بن حميد فيه شيئا.
* * * كتب أبو الشيص على رجل كان وعده مخدة فأبطأت عليه:
يا صديقي وأخي في ... كل ما يعرو وشده
ليت شعري هل زرعتم ... بذر كتان المخده
* * * وأخبرني أبو أحمد عن أبيه عن أحمد بن أبى طاهر قال أهدى بعض العمال على دعبل بن على الخزاعي برذونا زمنا فرده وكتب إليه:
وأهديته زمنا فانيا ... فلا للركوب ولا للثمن
حملت على زمن شاعرا ... فسوف يكافي بشعر زمن
أبا الفضل ذما وغرما معا ... فما كنت ترضى بهذا الغبن
* * *