إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنزل عليه الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين - أما بعد:
فإنه مما لا شك فيه أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وهو الفيصل بين الحق والباطل، وهو الصراط المستقيم لجنات النعيم، كتاب أحكمه الله فأتقن إحكامه، وفصله فأحسن تفصيله، كما قال جل ذكره:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود:١] ولا يتطرق إلى ساحته نقض ولا إبطال، كما قال جل ذكره: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت ٤٢:٤١].
وهو المعجزة العظمى، والحجة البالغة الباقية على وجه الدهر لرسول البشرية - صلى الله عليه وسلم -، وهو الكتاب الذي استمد منه المسلمون علومهم ومعارفهم، وهو المنهج الخالد الذي تكفل بجميع ما يحتاج إليه البشر في أمور دينهم ودنياهم.
ولما كان القرآن الكريم بهذه المكانة العظيمة عنيت به الأمة الإسلامية عناية فائقة، من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا فحفظوا لفظه، وفهموا معناه، واستقاموا على العمل به، وأفنوا أعمارهم في البحث فيه، والكشف عن أسراره ومعانيه، ولم يدعوا ناحية من نواحيه الخصبة إلا وقتلوها بحثاً وتمحيصاً، وألفوا في ذلك المؤلفات القيمة، حتى زخرت المكتبة الإسلامية بميراث مجيد من تراث سلفنا الصالح وعلمائنا الأعلام.