وأما ما ذهب إليه الإمام الطحاوي وهو القول بأن الآية نزلت مرتين، حيث قال:(واحتمل أن يكون نزلت قرآناً لواحد من السببين المذكورين .. ثم أنزلت بعد ذلك للسبب الآخر لا على أنها قرآن) أهـ.
فهو قول مردود، لأن الآية في نزولها الأول قد حفظها الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستظهرها الحفاظ من الصحابة، وهي واضحة الحكم والدلالة، ويمكن الرجوع إليها وأخذ الحكم والعبرة منها من غير حاجة إلى نزولها مرة أخرى. (١)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو خلاف القول الأولى في سبب نزول الآية.
قال أبو جعفر الطحاوي: والرؤية قد تكون بالعين، وقد تكون بالعلم، ومن ذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}[آل عمران:١٤٣]، أي، علمتموه، وإن كنتم لم تعاينوه بأعينكم.
ومن ذلك ما حكاه عن عبده ونبيه شعيب عليه السلام من قوله لقومه:{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ}[هود:٨٤]، وشعيب قد كان أعمى، فكان ذلك له رؤية علم، فدل ذلك: أنه قد تكون الرؤية بالعين، وقد تكون الرؤية رؤية علم.
(شرح مشكل الآثار - ١٤/ ٢٨٨ - ٢٩٠)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن المراد بـ (الرؤية) في قوله تعالى:: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}[آل عمران:١٤٣] أن المراد بها: العلم، وليس المراد بها: الرؤية بالعين.
وعليه فإن المراد بـ (الرؤية) في الآية المتقدمة، أحد القولين التاليين:
- القول الأول: أن المراد بالرؤية: الإبصار.
(١) انظر: فتح الباري (٨/ ٧٥) وقضايا في علوم القرآن (٥٧).