للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو جعفر: فذهب ذاهبون إلى أن من ارتد عن الإسلام، وجب قتله، رجع إلى الإسلام أو لم يرجع إليه، وجعلوا ارتداده موجباً عليه القتل حداً لما كان منه، قالوا: كما أن الزاني لا ترفع عنه توبته حد الزنى، وكما أن السارق لا ترفع عنه توبته حد السرقة، كان مثل ذلك المرتد، لا ترفع عنه توبته حد ردته، وهو القتل.

فكان من حجتنا عليهم في ذلك لمخالفتهم فيه أنا وجدنا الله عز وجل أمرنا بإقامة حد الزنى على الزاني، وبإقامة حد السرقة على السارق، فقال عز وجل في كتابه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢]، وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨] فكان اسم الزنى غير مفارق للزاني وإن ترك الزنى. وكذلك اسم السارق لازم للسارق وإن زال عن السرقة، وتركها.

ووجدنا المرتد قد صار بردته كافراً، وكان إذا زال عن الردة إلى الإسلام لا يجوز أن يقال له: كافر، لأنه إنما كان يجوز أن يسمى بالكفر لما كان كافراً، فلما خرج عن الكفر، وصار مسلماً، لم يجز أن يقال له: كافر، لأنه لا يجوز مع ذلك أن يسمى مسلماً، فاستحال أن يسمى في حال واحدة كفاراً مسلماً، وقد قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء:١٣٧] فأثبت لهم عز وجل الإيمان بعد كفرهم الذي كان منهم ارتداداً عن الإيمان، ولما كان ما ذكرنا كذلك، كان معقولاً أن من لزمه اسم معنى من هذه المعاني، ولم يزل عنه ذلك الاسم كان من أهله، ووجب أن تقام عليه عقوبته، وإن من كان من أهلها في حال، فزال عنه الاسم الذي يسمى به أهلها، زالت عنه العقوبة الواجبة على أهل ذلك الاسم.

<<  <   >  >>