للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يدل على ذلك: أنا أجمعنا على قبول شهادة أهل الأهواء والبدع مع أنهم ليسوا عدولاً في مذاهبهم، ولكنهم لما كانوا عدولاً في الاحتراز عن الكذب قبلنا شهادتهم.

فكذلك هنا نقبل شهادة الكافر متى كان عدلاً في قوله، وإن لم يكن عدلاً في دينه. (١)

٢ - أن موضوع الآيتين مختلف، فآية سورة المائدة في الشهادة على الوصية في السفر عند الموت، وفقدان المسلم الذي يحمل الوصية ويشهد عليها.

وأما آية سورة الطلاق فهي في موضوع الطلاق والرجعة فيه، وفرق بين الموضوعين فموضوع الطلاق والرجعة فيه يحدث في مجتمع مليء بالمسلمين، ولا يلزم فيه تواجد الشاهد في ساعة معينة، بخلاف موضوع الموت، فإنه إذا أتى لا يرجى تأخيره.

وعلى هذا فإنه لا يمكن أن تكون هذه الآية ناسخة لآية سورة المائدة. (٢)

الترجيح: والقول الراجح هو: أن هذه الآية محكمة، وذلك لما يلي:

١ - أنه قد صح عن جمع من الصحابة القول بأن سورة المائدة محكمة، ومنهم: ابن عباس - وعائشة - وعمرو بن شرحبيل - وأبو موسى الأشعري - رضي الله عنهم، ومخالفة قول من شهد التنزيل ليس من عمل أهل الإسلام.

٢ - أن الجمع بين الأدلة أولى من إلغاء أحدها. (٣) فتكون آية سورة البقرة، وأية سورة الطلاق، عامتين في الأشخاص والأزمان والأحوال.

وتكون آية سورة المائدة خاصة بالمسافر الذي قربت وفاته ولم يجد من المسلمين من يشهده على وصيته.

وعلى هذا فلا نسخ بين عام وخاص. (٤)

وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.


(١) تفسير الرازي (١٢/ ١١٦).
(٢) فتح المنان في نسخ القرآن (٣١٠).
(٣) فتح الباري لابن حجر (٥/ ٤٨٣).
(٤) تفسير الشوكاني (٢/ ٩١).

<<  <   >  >>