قال: فهذا شريح وهو قاضي الخلفاء الراشدين المهديين قد كان مذهبه فيها أيضاً أنها محكمة غير منسوخة.
وهذا قول: سعيد بن المسيب وقتادة ومجاهد وإبراهيم وسعيد بن جبير وابن سيرين.
وقد قال به من فقهاء الأمصار ابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري.
فإن قال قائل: فقد روي عن الحسن ما يخالف أقوال هؤلاء الذين ذكرت.
فذكر .. عن الحسن في قوله: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ " [المائدة:١٠٦]، قال: من غير أهل قبيلتكم، كلهم من أهل الصلاة، ألا تراه يقول: تحبسونهما من بعد الصلاة؟
فكان جوابنا له في ذلك: أنا لا ندفع إلا يكون أهل العلم قد اختلفوا في ذلك، وكيف ندفع أن يكونوا اختلفوا فيه، وأبو حنيفة في أصحابه، ومالك في أصحابه، والشافعي في أصحابه يذهبون إلى أنها بخلاف ما هي عليه ممن قد ذكرنا، فمنهم من يذهب إلى أنها منسوخة بقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ " [الطلاق:٢]، وهذا مما لا يقطع فيه على المخالف بقيام الحجة عليه بالنسخ لما قد أنزله الله في كتابه، وعمل به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعمل به من عمل به من أصحابه، ولا يجوز أن ينسخ ما قد أجمع على ثبوته إلا لقيام الحجة بما يوجب ذلك فيه.
فأما ما قد ذكرناه مما يستدل به الحسن من قول الله:{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ}[المائدة:١٠٦] ما قد دل على أنهما من أهل الصلاة، فإن ذلك مما لا دليل عندنا فيه، وإنما ذلك عند كثير من أهل العلم على أنه قصد بذلك إلى الوقت الذي يعظمه أهل الأديان جميعاً وهو ما بعد صلاة العصر ويتوقونه ويخافون نزول العقوبة بهم عند المعصية فيه، وقد ذكرنا في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله:(ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل حلف بعد العصر على سلعة أنه أعطي بها كذا وكذا كاذباً)