للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو جعفر الطحاوي: عن ابن عمر، قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاضَ الناس جَيْضَةً (١)، وكنت فيمن جاض، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بالغضب، فقلنا: لو دخلنا المدينة، فبتنا بها، فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كانت لنا توبة، وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج، فقال: "من القوم؟ " قلنا: نحن الفرَّارون، قال: "بل أنتم العَكَّارون (٢)، أنا فئتكم، أو أنا فئة المسلمين"، فأتيناه حتى قبلنا يده (٣)

فقال قائل: العَكَّارون عند العرب: هم الكَرَّارون، فكيف جاز في هذا الحديث أن يقال هذا القول للفَرَّارين؟

فكان جوابنا له في ذلك: أن المراد بذلك أنهم لما كروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فئتهم ليرجعوا إلى ما يأمرهم به، ولينصرفوا فيما يصرفهم فيه، كان ذلك كراً منهم إليه، وعوداً منهم إلى ما كانوا عليه من بذل أنفسهم لقتال عدوهم، فاستحقوا بذلك أن يكونوا عكَّارين، والله أعلم بحقيقة ذلك.


(١) معنى قوله: (فَجَاضَ الناس) أي: فرَّ الناس، يقال: جاض في القتال، إذا فرَّ، وجَاضَ عن الحق، أي: عدل، وأصل (الجيض): الميل عن الشيء.
(النهاية في غريب الحديث -١/ ٣٢٤).
(٢) معنى قوله: (العكَّارون) أي: الكَرَّارون إلى الحرب والعَطَّافون نحوها الراجعون إليها. (النهاية في غريب الحديث -٣/ ٢٨٣).
(٣) أخرجه الترمذي في سننه - كتاب: الجهاد - باب: ما جاء في الفرار من الزحف (حـ ١٧٢٠ - ٧/ ٢١٢) وقال: هذا حديث حسن. أهـ.
والبيهقي في سننه - كتاب: السير - باب من تولى متحرِّفاً لقتال أو متحيِّزاً إلى فئة - (حـ ١ - ٩/ ٧٦).

<<  <   >  >>