حيث قال: قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى أن الوقوف بالمزدلفة فرض، لا يجوز إلا بإصابته. واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٩٨]. وقالوا ذكر الله عز وجل في كتابه المشعر الحرام، كما ذكر عرفات، وذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته، فحكمها واحد، لا يجزئ الحج إلا بإصابتها.
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: أما الوقوف بعرفة، فهو من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته، وأما الوقوف بمزدلفة، فليس كذلك.
وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول الله عز وجل:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٩٨]. ليس فيه دليل على أن ذلك على الوجوب لأن الله عز وجل إنما ذكر الذكر، ولم يذكر (الوقوف)، وكل قد أجمع أنه لووقف بمزدلفة، ولم يذكر الله عز وجل أن حجه تام.
فإذا كان (الذكر) المذكور في الكتاب، ليس من صلب الحج، فالموطن الذي يكون ذلك (الذكر) فيه، الذي لم يذكر في الكتاب، أحرى أن لا يكون فرضاً.
وقد ذكر الله تعالى أشياء في كتابه من الحج، ولم يرد بذكرها إيجابها، حتى لا يجزئ الحج إلا بإصابتها في قول أحد من المسلمين.
من ذلك قوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة:١٥٨]. وكل قد أجمع أنه لو حج ولم يطف بين الصفاء والمروة، أن حجه قد تم، وعليه دم مكان ما نزل من ذلك.
فكذلك ذكر الله عز وجل المشعر الحرام في كتابه ليس في ذلك دليل على إيجابه حتى لا يجزئ، للحج إلا باصابته. (شرح معاني الآثار -٢/ ٢٠٨ - ٢٠٩).