للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث قال: عن سالم عن أبيه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح حين رفع رأسه من الركوع قال: "ربنا ولك الحمد" في الركعة الآخرة، ثم قال: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" يدعو على ناس من المنافقين، قال: فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨].

وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد، وشج، فجعل يسلت الدم عن وجهه، ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته وهو يدعوهم؟ " فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨].

فتأملنا هذه الآثار وكشفناها لنقف على الأولى منها بما نزلت فيه هذه الآية من المعنيين المذكورين فيها، فاحتمل أن يكون نزولها في وقت واحد يراد بها السببان المذكوران في هذه الآثار، فوجدنا ذلك بعيداً في القلوب، لأن غزوة أحد كانت في سنة ثلاث، وفتح مكة كان في سنة ثمان، ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لمن دعا له في صلاته قبل فتح مكة، فبعيد في القلوب أن يكون السببان اللذان قيل: إن هذه الآية نزلت في كل واحد منهما كان نزولها فيهما جميعاً.

واحتمل أن يكون نزولها كان مرتين: مرة في السبب الذي ذكر عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، أن نزولها كان فيه، ومرة في السبب الذي ذكر أنس أن نزولها فيه، فدخل على ذلك ما نفاه، لأنه لو كان ذلك كذلك لكانت موجودة في القرآن في موضعين كما وجدت {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:٧٣] الأية في موضعين:

أحدهما في سورة براءة] ٧٣]، والآخر في سورة التحريم] ٩]، ولما لم يكن ذلك كذلك في الآية المتلوة في هذه الآثار، بطل هذا الاحتمال أيضاً.

<<  <   >  >>