حيث قال: عن جابر بن عبد الله، قال: زنى رجل من أهل فدك، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمداً عن ذلك، فإن أمركم بالجلد، فخذوه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه، فسألوه عن ذلك، فقال:"أرسلوا إلى أعلم رجلين فيكم"، فجاؤوه برجل أعور، يقال له: ابن صوريا وآخر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنتما أعلم من قبلكما؟ " فقالا: فقد نحلنا قومنا بذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما:" أليس عندكم التوراة فيها حكم الله؟ "، فقالا: بلى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فنشدتكما بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى، وأنزل المن والسلوى، وظلل عليكم الغمام، وأنجاكم من آل فرعون ما تجدون في التوراة من شأن الرجم؟ " فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط، ثم قالا: نجد أن النظر زنية، والاعتناق زنية، والقبلة زنية، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدي ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة، فقد وجب الرجم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وهو ذلك"، فأمر به فرجم، ونزلت:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}[المائدة:٤٢].
ففي هذا الحديث أن الله تعالى جعل في الآية المتلوة فيه لنبيه الخيار في أن يحكم بين اليهود إذا جاؤوه، وفي أن يعرض عنهم، فلا يحكم بينهم.
فقال قوم: هذه آية محكمة، وكان ما ذكر في هذا الحديث من رجم النبي ذلك اليهودي باختياره أن يرجمه، وقد كان له أن لا يرجمه لقول الله {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة:٤٢]. أي: فلا تحكم بينهم.