ومعمعة فرأيتُ مِنْهُ هَولاً فظيعًا وأمرًا عَظِيما أعجزَ عَن صفته فكاد يغشى عليّ وتزهقُ نَفسِي فقلتُ يَا جِبْرِيل مره فليردده فَأمره بذلك فَفعل ثُمَّ جاوزناهُ ومررتُ بِملائكة كَثِيرَة لَا يُحصي عَددهمْ إِلَّا الله الْوَاحِد الْملك القهار مِنْهُم من لَهُ وُجُوه كَثِيرَة بَين كَتفيهِ الله أعلم.
بعدِّها ثُمَّ وُجُوه كَثِيرَة فِي صَدره وَفِي كل وَجه من تِلْكَ الْوُجُوه أَفْوَاه وألسن وهم يَحْمَدون الله ويُسبحونه بِتِلْكَ الألسن كلهَا فَرَأَيْت من خلقهمْ وعبادتهم لله أمرا عَظِيما فجاوزنَاهم من سَمَاء إِلَى سَمَاء حَتَّى بلغنَا بِقُوَّة الله إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذا خلق كثير فَوق وصف الواصفين يَموجُ بَعضهم فِي بعض كَثْرَة وَإِذا كل ملك مِنْهُم ممتلئ مَا بَين رَأسه وَرجلَيْهِ وُجُوه وَأَجْنِحَة وَلَيْسَ من فَم وَلَا رَأس وَلَا وَجه وَلَا عين وَلَا لِسَان وَلَا أذن وَلَا جنَاح وَلَا يَد وَلَا رَجُل وَلَا عُضْو وَلَا شعر إِلَّا يُسبح الله بِحمده وَيذكر من آلائه وثنائه بِكلام لَا يذكرهُ الْعُضْو الآخر رافعين أصواتَهم بالبكاء من خشيَة الله والتحميد لَهُ وعبادته لَو سَمِعَ أهلُ الأَرْض صَوت ملك مِنْهُم لماتوا كلهم فَزعًا من شدَّة هوله، قلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ، قَالَ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم هَؤُلَاءِ الكروبيون عَن عِبَادَتهم لله وتسبيحهم لَهُ وبكائهم من خَشيته خلقُوا كَمَا ترى لم يكلم وَاحِد مِنْهُم صَاحبه إِلَى جنبه قطّ وَلم ير وَجهه وَلم يرفعوا رؤوسهم إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة مُنْذُ خلقُوا ولَمْ ينْظرُوا إِلَى مَا تَحْتَهُم من السَّمَوَات وَالْأَرضين خشوعًا فِي جسمهم وخوفًا من رَبهم فأقبلتُ عَلَيْهِم بِالسَّلَامِ فَجعلُوا يردونَ عَليّ إِيمَاء وَلَا يكلموني وَلَا ينظرونَ إِلَى من الْخُشُوع فَلَمَّا رأى ذَلِكَ جِبْرِيل قَالَ هَذَا مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة الَّذِي أرْسلهُ الله فِي الْعَرَب نبيًّا وَهُوَ خاتَمُ الْأَنْبِيَاء وَسيد الْبشر أَفلا تكلمونه، فَلَمَّا سمعُوا ذَلِكَ من جِبْرِيل وَذكره أَمْرِي بِما ذكر أَقبلُوا عَليّ بالتحية وَالسَّلَام فَأحْسنُوا بشارتي وكلموني وبشروني بِالْخَيرِ لأمتي ثُمَّ أَقبلُوا عَلَى عِبَادَتهم كَمَا كَانُوا، فأطلقت الْمكْث عِنْدهم وَالنَّظَر إِلَيْهِم تَعَجبا مِنْهُم لعظم خلقهمْ وَفضل عِبَادَتهم، ثُمَّ جاوزناهم فَحَمَلَنِي جِبْرِيل فَأَدْخلنِي السَّمَاء السَّابِعَة فأبصرتُ فِيهَا خلقا وملائكة من خلق رَبهم لَمْ يُؤذن لي أَن أحدثكُم عَنْهُم وَلَا أصفهم لكم، ثُمَّ أخْبركُم إِن الله أَعْطَانِي عِنْدَ ذَلِكَ مثل قُوَّة أهل الأَرْض وَزَادَنِي من عِنْده مَا هُوَ أعلم بِهِ ومنَّ عليّ بالثبات وحدد بَصرِي لرؤية نورهم وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا استطعتُ النّظر فقلتُ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم الَّذِي خلق مثل هَؤُلَاءِ قلت من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل فَأَخْبرنِي وقص عَليّ من شأنِهم الْعجب ولَمْ يُؤذن لي أَن أحدثكُم عَنْهُم ثُمَّ جاوزناهم فَأخذ جِبْرِيل بيَدي فرفعني إِلَى عليين حَتَّى انْتهى بِي إِلَى أَشْرَاف الْمَلَائِكَة وعظمائهم وَرُؤَسَائِهِمْ فنظرتُ إِلَى سبعين صفا من الْمَلَائِكَة صفا خلف صف وَقد افْتَرَقت أَقْدَامهم تخوم الأَرْض السَّابِعَة وجاوزت حَيْثُ لَا يُعلمهُ إِلَّا الله حَتَّى اسْتَقَرَّتْ عَلَى السهوم يَعْنِي حِجَابا فِي الظلمَة وامترقت رؤوسهم السَّمَاء السَّابِعَة الْعليا ونفذت فِي عليين حَيْثُ شَاءَ الله فِي الْهَوَاء وَإِذا من وسط رؤوسهم إِلَى مُنْتَهى أَقْدَامهم وُجُوه وَنور أَجْنِحَة ووجوه شَتَّى لَا يشبه بَعْضهَا بَعْضًا وأنوارهم شَتَّى لَا يشبه بَعْضهَا بَعْضًا وأجنحتهم شَتَّى لَا يشبه بَعْضهَا بَعْضًا تَحارُ أبصارُ الناظرين دونهم فنبت عَيْنَايَ عَنْهُم لما نظرت من عجائب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute