خلقهمْ وَشدَّة هولِهم وتلألؤ نورهم فخالطني مِنْهُم فزع شَدِيد حَتَّى استعلتني الرعدة فنظرتُ إِلَى جِبْرِيل فَقَالَ لَا تَخف يَا مُحَمَّد فَإِن الله عز وَجل قد أكرمكَ بكرامة لَمْ يُكرم بِهَا أحد قبلك وَبلغ بك مَكَانا لَم يبلغ إِلَيْهِ أحد قبلك وَإنَّك سترى أمرا عَظِيما وخلقًا عجيبًا من خلق رب الْعِزَّة فَتثبت يقوك الله وتجلد فَإنَّك سترى أعجب من الَّذِي رَأَيْته وَأعظم أضعافًا كَثِيرَة، ثُمَّ جاوزناهم بِإِذن الله تَعَالَى يتَصَعَّد بِي إِلَى عليين حَتَّى ارتفعنا فَوْقهم مسيرَة خمسين ألف سنة لغيرنا وَلَكِن الله قدر لنا سرعَة جَوَازه فِي سَاعَة من اللَّيْل فَانْتَهَيْنَا أَيْضا إِلَى سبعين صفا من الْمَلَائِكَة صفا خلف صف قد ضاقَ كل صف مِنْهُم بالصف الَّذِي يَلِيهِ فَرَأَيْت من خلقهمْ الْعجب العجيب من تلألؤ نورهم وَكَثْرَة وُجُوههم وأجنحتهم وَشدَّة هولِهم ودوي أصواتِهم بالتسبيح لله وَالثنَاء عَلَيْهِ، فنظرتُ إِلَيْهِم فحمدتُ الله عَلَى مَا رَأَيْت من قدرته وَكَثْرَة عجائب خلقه ثُمَّ جاوزناهم بِإِذن الله متصعدين إِلَى عليين حَتَّى أَشْرَفنَا فَوْقهم فَوْقهم مسيرَة خمسين ألف سنة بِقُوَّة الله وإسرائه بِنَا فِي سَاعَة، حَتَّى انتهينا إِلَى سبعين صفا من الْمَلَائِكَة صفا خلف صف ثُمَّ كَذَلِك إِلَى سبع صُفُوف مَا بَين كل صفّين من الصُّفُوف السَّبْعَة مسيرَة خمسين ألف سنة للراكب المسرع، قد ماج بَعضهم فِي بعض وَقد ضاقَ كل صف مِنْهُم بالصف الَّذِي يَلِيهِ فهم طبق وَاحِد متراصونَ بَعضهم إِلَى بعض وَبَعْضهمْ خلف بعض فَلَقَد خيل إليّ أَنِّي قد نسيت كل مَا رَأَيْت من عجائب خلق الله الَّذِي دونهم ولَم يُؤذن لي أَن أحدثكُم عَنْهُم وَلَو كَانَ أذن لي فِي ذَلِكَ لم أستطع أَن أصفهم لكم وَلَكِن أخْبركُم أَن لَو كنت مَيتا قبل أَجلي فَزعًا من شَيْء لَمُت عِنْدَ رُؤْيَتهمْ وعجائب خلقهمْ ودوي أصواتِهم وشعاع نورهم وَلَكِن الله تَعَالَى قواني لذَلِك برحمته وَتَمام نعْمَته وَمن عَليّ بالثبات عِنْد مَا رَأَيْت من شُعَاع نورهم وَسمعت دوِي أصواتِهم بالتسبيح وحدد بَصرِي لرؤيتهم كي لَا يخطف من نورهم وهم الصافون حول عرش الرَّحْمَن، وَالَّذين دونهم المسبحونَ فِي السَّمَاوَات، فحمدتُ الله عَلَى مَا رَأَيْت من الْعجب فِي خلقهمْ، ثُمَّ جاوزناهم بِإِذن الله متصعدين إِلَى عليين حَتَّى ارتفعنا فَوق ذَلِكَ فَانْتَهَيْنَا إِلَى بَحر من نور يتلألأ لَا يرى لَهُ طرف وَلَا مُنْتَهى، فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ حَار بَصرِي دونه حَتَّى ظننتُ أَن كل شَيْء من خلق رَبِّي قد امْتَلَأَ نورا والتهبَ نَارا، فكاد بَصرِي يذهبُ من شدَّة نور ذَلِكَ الْبَحْر وتعاظمني مَا رَأَيْت من تلألؤه وأفظعني حَتَّى فزعت مِنْهُ جدا فحمدتُ الله تَعَالَى عَلَى مَا رَأَيْت من هول ذَلِكَ الْبَحْر وعجائبه ثُمَّ جاوزناهُ بِإِذن الله تَعَالَى متصعدين إِلَى عليين حَتَّى انتهينا إِلَى بَحر أسود فنظرتُ فَإِذا ظلماتٌ متراكبة بَعْضهَا فَوق بعض فِي كَثَافَة لَا يعلمهَا إِلَّا الله وَلَا أرى لذَلِك الْبَحْر مُنْتَهى وَلَا طرفا فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ اسْوَدَّ بَصرِي وَغشيَ عَليّ حَتَّى ظننتُ أَن خلق رَبِّي قد اسود، وأعتمت فِي الظلام فَلم أر شَيْئا وظننتُ أَن جِبْرِيل قد فَاتَنِي وفزعت وتعاظمني جدًّا، فَلَمَّا رأى جِبْرِيل مَا بِي أَخذ بيَدي وَأَنْشَأَ يؤنسني ويُكلمني وَيَقُول لَا تَخف يَا مُحَمَّد أبشر بكرامة الله واقبلها بقبولها هَلْ تَدْرِي مَا ترى وَأَيْنَ يذهبُ بك إِنَّك ذاهبٌ إِلَى رَبك رب الْعِزَّة، فَتثبت لما ترى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute